واحد فيها، والحق أنه قلما اطمأن إلى وجود شيء من الخير في الحياة الروسية فقد استشرى الشر في رأيه حتى لم يدع للخير مجالاً. . .
وقد أنتج جوجول عدداً غير قليل من القصص والصور الاجتماعية، ويهمنا فيما نحن بصدده ثلاثة منها هي (المفتش العام) و (الأنفس الميتة) و (العباءة) أما القصة الأولى فهي ملهاة تهكمية تدور حول نبأ أذيع بأن مفتش الحكومة العام قادم للتفتيش في مدينة من مدن الأقاليم، ولما كان المفتش غير معروف فقد أخذ الموظفون مسافراً من المسافرين على أنه المفتش الموهوب الجانب، فأكرموا وفادته ومشوا بين يديه بالزلفى وأعطوه المال والهدايا، ولما رأى ذلك المسافر أنه قد أخذ منهم كل ما استطاع أخذه من المال فر هارباً؛ ويسدل الستار عقب إعلان إن المفتش الحقيقي قد وصل فعلاً!؛ وقد أحدثت هذه الملهاة ضجيجاً كبيراً وأثارت من حنق الحكومة على مؤلفها ما اضطره إلى مغادرة روسيا إلى إيطاليا حيث أتم قصته الكبرى (الأنفس الميتة).
تعد هذه القصة الثانية من أعظم الآثار في أدب أوروباً جميعاً ولم تكن لها عقدة معينة أو حكاية غرام، وقد أتمها جوجول في عدة سنوات، وفيها سخر أشد السخرية من كل ما عده معيباً في الحياة الروسية، وتهزأ بمن شاء من الأشخاص الذين صور أمثلة لهم في قصته الكبرى، وقد نفذت عينها نفاذاً عجيباً إلى كل معيب شائن في جوانب تلك الحياة وإلى كل وضيع مرذول من صور الناس وأنماطهم، لم يغادر شيئاً من ذلك إلا أحصاه. . .
ولو أراد النقاد أن يعدوا عشرة كتب في فن القصة لها أثرها في توجيه هذا الفن، ولها خطرها فيما تقاس به رسالة هذا الفن لكان كتاب جوجول (الأنفس الميتة) أحد هذه الكتب العشرة بلا جدال، فهو فيما تواضع عليه نقدة الأدب أعظم ملحمة للضعة الآدمية في أدب العالم كله، وذلك حسب ما يفهم من معنى الملحمة كعمل فني، وليس كما قد يذهب إليه الذهن من معنى المعركة. فما في القصة معركة ما وإنما نقصد معنى الملحمة كما تسمى ملهاة دانتي المقدسة، أعنى أنها عمل أدبي شامل يحيط بكل شيء مما هو منه بسبب. . .