وتأثر بوشكين كذلك بمبادئ الثورة الفرنسية، وكان صديقاً للديستمبريين، ولكنه كان قد نفى إلى ضيعة أمه قبيل حركتهم فلم يشارك فيها ونجا بذلك من الموت لينظم لروسيا خير ما أخرجت من شعر وليوقظ مشاعرها ويطبع أدبها بطابعها، وليكون شعره حداءها الممتلئ بالأمل والسحر.
وكان حول بوشكين عدد من الشعراء، كان ليرمنتوف الذي بدأ ينظم الشعر من سن الرابعة عشرة أبرزهم وأقواهم موهبة، وقد تأثر هذا الشاب الشاعر بيوشكين أولاً ثم بشلر وأخيراً باللورد بيرون ذلك الذي أحبه ليرمونتوف حباً كاد ينسيه كل شاعر غيره حتى بوشكين نفسه.
وكان ليرمونتوف في شعره منذراً أكثر مما أنذر بوشكين، وقد أذاع قصيدة غفلا من اسمه سنة ١٨٣٠ تنبأ فيها بالثورة، حتى ليعجب من يقرأها بعد الثورة البلشفية من صحة نبوءته؛ فكأنما كانت تتكشف له حجب الغيب؛ وتغنى ليرمونتوف بالحرية كما تغنى بوشكين، وكان ينظم الشعر في يسر فيجئ قوياً متدفقاً كالسيل، ولكن الموت لم يمهله لتمد موهبته غاية مدها فمات وهو في السابعة والعشرين. . . على أنه قبل وفاته بسنة أخرج وصية نثرية سنة ١٨٤٠ تعد أول قصة تحليلية في الأدب الروسي الحديث وهي القصة المسماة (بطل من أبطال عصرنا)، ولذلك يعد هذا الشاعر الفذ طلعة في فن القصة.
ونعود بالحديث إلى القصة فنجد أن الكاتب الذي يعد مقامه في القصة كمقام بوشكين في الشعر هو جوجول المولود سنة ١٨٠٩ والمتوفى سنة ١٨٥٢؛ وليس معنى ذلك أنه لم يوجد قبل جوجول قصصي، وإنما نقصد أن جوجول كان رائد القصة الروسية في القرن التاسع عشر وكان زعيماً من أكبر زعمائها غير مدافع. . .
قام فن هذا القصصي على أساس السخرية من المعايب الاجتماعية في عصره، ولم تكن سخريته سخرية نفس هادئة تعطف على ما تخلق من الشخصيات وترفق بهم وتضحك مع الضاحكين كسخرية شارلزدكنز مثلاً، وإنما كان سخرية عنيفة هدامة تبرز المعايب عن سخيمة ونقمة كأنها سخرية شيطان يلهو بزلة فريسة من فرائس غوايته. . .
كان يؤلم جوجول أن يرى روسيا وقد ذاع فيها الشر والفساد والباطل، وماتت فيها روح العدالة والخير، وكان يقول دائماً إنها ممتلئة بالأقعنة الكاذبة حتى ما تقع العين على آدمي