فبات يتعمق النظر في مسائل الحياة والموت وما عسى أن يكون وراء هذا الكون العجيب من أسرار ود الأدباء لو استطاعوا أن يهتدوا إلى شيء ما، وقد صبغ هذا الاتجاه الأدب الروسي بصبغة دينية صوفية لا مثيل لها في أدب الغرب. . .
كان الشعر أسبق من النثر في هذا القرن ولذلك حق أن نتكلم أولاً عما كان للشعر من أثر فيما نحن بصدده، وقد تجلى هذا الأثر في شعر شاعرين كانت لهما أو على الأصح كانت لأولهما زعامة الشعر الروسي الحديث وهما بوشكين وليرمونتوف. وقد ولد أولهما سنة ١٧٩٩ ومات في الشهر الأول من سنة ١٨٣٧. وولد ثانيهما سنة ١٨١٤ ومات سنة ١٨٤١.
تمثلت الروح الجديدة في حياة بوشكين وفي شعره، ولقد كان لهذا الشاعر الفذ الذي مات في الثمانية والثلاثين من عمره، أعمق الأثر في الأدب الروسي في القرن التاسع عشر. . .
يعد بوشكين بحق أحد عباقرة الشعر في جميع عصوره وعلى اختلاف بيئاته، فقد خلق موهوباً كما يخلق أفذاذ هذا الفن وفحوله فله قوة الشعر وعمق الفكرة وصدق الإحساس وحدته وسمو الروح وحرارة الإيمان وجمال النفس، وله إلى جانب ذلك الأداة الطيعة من التعبير الجميل القوي والموسيقي الرائعة الحلوة.
على أن ما يعنينا هنا هو أثر فنه لا قيمة ذلك الفن؛ ولقد كان أكبر تأثيره في حياة قومه بما تغنى به من أغاني الحرية، تلك الأغاني التي هزت النفوس هزاً.
تأثر بوشكين بشاعر عظيم متمرد تأثر هو اللورد بيرون الذي قضى نحبه سنة ١٨٢٤ في حصار مسولنجي مصاباً بالطاعون، وقد كان يدافع مع المدافعين عن حرية اليونان، وأعجبت بوشكين حمية بيرون كما أعجبته طريقته في الشعر، وكان من أبرز خصائص بوشكين أنه يتمثل آثار غيره ويتأثر بها ولكنه لا يفقد أصالته ولذلك فقد احتفظ بروحه الروسية وإن اصطنع أسلوب بيرون.
تغنى بوشكين بعظمة روسيا وقوتها وكان يعد بطرس الأكبر بطلها الفرد، وغنى بمثل البكاء حياة فلاحيها وشقائهم، وكان شعره مليئاً بالنذر، فكان منذراً للطاغيين مبشراً بحرية سوف تنعم بها روسيا بعد طول الأسر والعذاب تجد ذلك في قوله (إنا منتظرون، وقلوبنا المتلهفة تخفق بالأمل في الحرية المقدسة كما ينتظر العاشق الشاب ساعة لقائه بفاتنته).