الغالب فلاسفة مفكرين، ولكن الروس صوروا فحسب، فلم يبينوا لنا المعايب الاجتماعية وأسبابها وشقاء العيش وعوامله، وإنما خلقوا لنا أناساً أشقياء يتألمون وتفدحهم كوارث الحياة ولا يدرون ماذا يفعلون.
ولقد أحدث هذا الأدب أثره العميق في النفوس على الرغم من الرقابة والرقباء، حتى انتهى الأمر إلى ثورة جارفة كانت في الواقع من صنع الفن وحده؛ وليس في هذا الذي نذكر شيء من الغلو، فبالفن لا بالأفكار المجردة، ولا بالدراسة المباشرة لمشكلات روسيا هدم أدباء الروس صرح العهد القديم، وعلى ألسنة أشخاصهم التي خلقوها وفي ميول هذه الأشخاص ونزعاتها وحركاتها عبر الكتاب عما يريده كل روسي وأفصحوا دون أن يقولوا قولاً صريحاً عما كان يشغل الأذهان من آراء في الاجتماع والسياسة والاقتصاد ما كان ليسمح بها الرقيب. . .
وفي الأدب الروسي جانب روحي أسكبه صفة إنسانية عامة بها وجد سبيله إلى قلوب الناس في كل أمة؛ وهذا الجانب الروحي فيه هو محاولة الوصول إلى خلاص للإنسان عامة من شرور الحياة وشقائها، وتوقعه حياة أخرى أسمى من هذه الحياة، ومرد ذلك في الواقع إلى هول ما عانى الروس من ظلم وما ذاقوا من ألم وشقاء. ومن عجب الأمور أن كثيراً من الأدباء الروس على ما بلوا من شرور الحياة حولهم وآثامها كانوا يؤمنون في كتابتهم بالخير وأنه هو الأصل في الإنسان، وأن الشر يأتيه من الحياة وملابساتها، فكان هؤلاء الأدباء متفائلين مع ما كانت تريهم الحياة من دواعي التشاؤم.
وكفر أدباء روسيا بمدنية الغرب وثقافة الغرب، فلم يروا إنهما حق كلهما، وإنما أحسوا فيهما بكثير من صور الباطل؛ وارتابوا في كثير من المبادئ التي أخذ بها العالم الغربي واطمأن إلى استقرارها وصلاحيتها لتقدم العمران والسمو بمستوى الحياة؛ وساورهم كثير من القلق فيما عسى أن تفضي إليه هذه المبادئ من كوارث قد تطيح بها وبمدنية الغرب جميعاً، وقد أضاف هذا الكفران بمدنية الغرب وثقافته إلى الأدب الروسي والقصة الروسية نغمة ارتاحت إليها النفوس القلقة، وزادت هذه النغمة ثورة هذا الأدب بروزاً، وجعلت له خطراً كبيراً في تاريخ الفكر البشري. . .
وأدى هذا الكفران بمدنية الغرب ومبادئ المجتمع الغربي إلى اتساع أفق الأدب الروسي،