السبب الكافي، هو موضوع التجربة المادية والعلوم المختلفة، كالفيزياء والكيمياء والتاريخ؛ فإن غاية العلم ومهمته استقصاء ترابط الظواهر أو الجزئيات أو الأفكار وفق المبدأ المذكور، وعلى هدى من (اللماذا). وتسمى هذه العملية بالتعليل وظيفة العلم إذن تعليل الظواهر؛ ومضمونه، الذي لا يستطيع يقدم لنا سواء، هو ما يصل إليه التعليل من الروابط السببية. أما مضمون الظواهر، ومعناه الأخير، أما الشيء في ذاته، فإن النظر فيه والإخبار عنه ليس من شأن العلم، لأنه خارج نطاق السبب الكافي، الذي يهتدي العلم في تعليلاته به. وإنما هو من شأن الفلسفة. العلم يستطيع أن يخبرنا لماذا، وكيف، وأين، ومتى، حدثت هذه الظاهرة عن تلك، ويستطيع أن يصوغ قوانين لاطراد الظواهر، من جذبية وكيماوية وكهربائية ومغناطيسية، ولكنه لا يستطيع أن ينبئنا (ما) المادة، وما الكهرباء وما الجذب وما الألفة الكيماوية، وما سائر (القوى الطبيعية) التي تبقى، بالنسبة إليه، (كيفيات خفية) أو صفات مستوردة؛ وهكذا يتركنا في جهل مطبق بشأن الطبيعة الباطنة لكل شيء. ولكن حيث ينتهي العلم تبدأ الفلسفة. فإن الوصول إلى هذه الطبيعة الباطنة، إلا ماهية العالم، والهدف الذي ترمي إليه، وهي لا تبلغه عن طريق التعليل ومبدأ السبب الكافي، فإن هذا المبدأ لا يمتد إليه كما سبق القول، وإنما تبلغه بضرب من المعرفة العيانية المباشرة، ويقول شوبنهاور هنا إن كل إنسان يعرف في الواقع ما هو العالم، ولكن هذه المعرفة تجريبية، وجدانية، غير متميزة؛ ووظيفة الفلسفة إعادة هذه المعرفة الغامضة بلغة تصورية تجريدية دقيقة. إن الفلسفة هي مجموع أحاكم عامة، أساسها الكافي هو العالم نفسه برمته؛ وهي لذلك تلخيص أو انعكاس للعالم، في صورة أفكار مجردة. . .