مقارنة عادلة بين الحالين، لأننا لا نستطيع أن نقارن إلا ذكرى الحلم بالواقع الحاضر. وقد جعل (كانت) ترابط الأفكار أو الموضوعات وفق قانون العلية معياراً للتفرقة بين حياة الواقع وبين الأحلام؛ ولكن يرد على هذا بأن تفاصيل كل حلم على حدته، على الأقل، تترابط تبعاً لمبدأ السبب الكافي في كل صورة؛ ولا ينقطع الترابط إلا بين اليقظة والأحلام، أو بين حلم وحلم. وعلى ذلك نستطيع أن نصوغ معيار (كانت) على الوجه التالي: إن الحلم (الطويل) - الذي نسميه (الحياة) - تترابط أجزاؤه جميعاً وفقاً لمبدأ السبب الكافي؛ ولكنه لا يرتبط هذا الارتباط بالأحلام (القصيرة) وإن كان كل حلم من هذا النوع الثاني مترابط الأجزاء على الوجه نفسه؛ ونحن إنما نميز بين الحلم الطويل والحلم القصير لانقطاع الصلة السببية بينهما.
والحق أن أعظم المفكرين والشعراء لم يترددوا في تشبيه الحياة بالحياة بالحلم. فأصحاب (الفيداس) و (البوراناس) مثلاً لا يملون من تشبيه العالم الواقعي - الذي يسمونه نسيج (مايا) - بالحلم. وكان أفلاطون كثيرا ما يقول: إن الناس يعيشون في حلم، وإن الفيلسوف وحده يحاول إيقاظ نفسه. وشكسبير من الشعراء يقول: لقد جبلنا من المادة التي تصنع منها الأحلام؛ وحيتانا القصيرة يحف بها النوم). وقد جعل كلدرون عنوان إحدى مسرحياته:(الحياة حلم). ولا يكتفي فيلسوفنا الأديب بما يقتبسه من الحكماء والشعراء، بل يدلي هو أيضاً بدلوه، ويستأذن قارئه في هذا التشبيه من تشبيهاته الرائعة: إن الحياة والأحلام صفحات من كتاب واحد. والقراءة المنظمة لهذا الكتاب هي الحياة الواقعية؛ ولكن بعد أن نتهي ساعات القراءة (أي اليقظة) ترانا كثيراً ما نستمر على تقليب الصفحات في تراخ وكل، فنقرأ صفحة من هنا وصفحة من هناك، بغير نظام أو إرتباط؛ وكثيراً ما تكون الصفحة مما قرأناه سابقاً، وقد تكون في بعض الأحيان جديدة علينا؛ ولكن الكتاب المقروء واحد لم يتبدل. ولا ريب في أن مثل هذه الصفحة المنفردة مقطوعة الصلة بالدراسة المنظمة للكتاب، ولكن الفرق لا يبدو كبيراً إذا تركنا أن القراءة المتصلة، كالأمر في قراءة الصفحة المفصولة؛ تبدأ وتنتهي فجأة، وفي وسعنا إذن أن نعتبر المقروء في الحالة الأولى صفحة واحدة كبيرة).
إن عالم الظواهر، هذا الحلم الذي لا نهاية له، والذي يتسلسل في الزمان والمكان وفقاً لمبدأ