ومعلول، ولا شيء وراء ذلك. ومثل هذا يقال في تصوراتنا ومشيئاتنا. وصفوة القول إن كل موضوع من الموضوعات فإنما يوجد ويعرف بمقدار ما يرتبط بغيره من الموضوعات، وفقاً لمبدأ السبب الكافي في صورة من صوره الأربع. وهذه الرابطة تستنفد طبيعة الموضوع باعتباره موضوعاً فحسب، أي فكرة بالإضافة إلى الذات. فلنا إذن أن نقول أن عالم الموضوعات أو الفكرات لا يزيد عن كونه شبكة من العلائق والروابط والنسب، والوجود فيه إذن وجود محض نسبي. ومبدأ السبب الكافي، الذي يظهر لنا العالم مطبوعاً بطابعه (طابع الضرورة والنسبية) واحد متشابهة في كل صوره، فإذا اعتبرنا أبسط هذه الصور مثلاً، وهي الزمانية أو الزمان، فهمنا الصور الأخرى، وطبيعة عالم الظواهر. ونحن نجد أن كل لحظة من الزمان إنما توجد لأنها محت اللحظة السابقة، التي ولدتها، ثم لا تلبث أن تختفي هي أيضاً، إذ تمحوها اللحظة اللاحقة. فالماضي والمستقبل خاويان خواء الأحلام، وما الحاضر إلا الحد المترجرج، غير المنقسم، بين الماضي والمستقبل.
ومثل هذا الخواء نصيبه في المكان، وفي مضمون المكان والزمان، أي في كل ما يصدر عن البواعث والعلل، فلا شيء من ذلك يوجد إلا بالنسبة إلى شيء آخر مثله، أي نسبي زائل. (وهذا المذهب في لبابه قديم: فهو يظهر عند هرقليطي، حين يندب سيلان الأشياء الأبدي؛ وعند أفلاطون، حين يهبط بالموضوع إلى ما هو سائر أبداً، وليس بكائن قط؛ وعند اسبينوزا، في صورة القول بأعراض الجوهر الواحد، الكائن الباقي، كما إن (كانت) يعارض الظاهرة المحضة بالشيء ذاته. وأخيراً فإن حكمة الفلاسفة الهنود القديمة تصرح قائلة:(إن مايا، نقاب الوهم، هو الذي يغشى على أبصار الفانين، ويريهم عالماً لا يستطيعون أن يقولوا عنه، لا إنه موجود ولا إنه غير موجود: إنه كالحلم. إنه كضوء الشمس على الرمال، يحسبه المسافر على البعد ماء. . .) - ولكن ما يقصد إليه كل هؤلاء، وما يتحدثون عنه جميعاً، ليس شيئاً أكثر من هذا الذي نظرنا فيه: العالم باعتباره فكرة خاضعة لمبدأ السبب الكافي).
عالم الظواهر إذن حلم باطل. وليس ثمة من فرق حقيقي بين ما ندعوه الواقع أو اليقظة، وبين حلم الرقاد. إذ ما عسى أن يكون معيار التفرقة؟ إن القول بأن أحلامنا أقل وضوحاً وتميزاً من إدراكنا في حال اليقظة، لا وجه له، إذ لم يتفق أن استطاع إنسان من الناس عقد