لم يكد يطلع القراء على المقال البليغ الذي دبجته براعة الكاتب المفن الأستاذ عبد المنعم خلاف حول المفاضلة ما بين الموسيقى القديمة والحديثة. وما تركته في نفسه تلك القصيدة الفذة (سلوا قلبي غداة سلا وتابا) للآنسة أم كلثوم من الأثر البالغ حتى تناقلت المقال الأيدي وتعاورته، وكان له الوقع الحسن لدى المنصرفين إلى هذه الصناعة من أعضاء الأندية الموسيقية في الشام، إذا عرفوا أن في مصر نقمة على الموسيقى الحديثة الرخيصة المبتذلة تحكي النقمة عليها في سائر أقطار العروبة، وعرفوا أن في مصر حنيناً إلى الموسيقى القديمة لما فيها من روح الطرب الصادقة والفن العربي السامي الذي يلذ المسامع ويستهوي الأفئدة، ويأخذ بمجامع القلوب.
لقد كان الأستاذ محقاً في طلبه من وزارة الشئون الاجتماعية، الإشراف على هذه الأنغام الباكية الحزينة ذات المعاني التافهة والألحان المريضة التي تميت القلب وتحمل إلى النفوس السآمة والضجر. . . إنه لطلب يشاركه فيه كل عربي سليم الذوق، وإن في هذا الإشراف وقاية للنشء الجديد الذي شب على سماعها وكادت تألفها أذنه، وإذا كنا ننتحل الأعذار للملحنين المصريين المتكسبين في تسجيل هذه الألحان على الشاشة البيضاء سعياً وراء نيل بلغة العيش، فلن نجد لهم عذراً في إماتة الفن القديم، والتخلف عن وضع ألحان مبتكرة تحكي ألحانه القوية الممتعة التي يستسيغها كل ذوق، وتهنأ بها كل نفس وتطرب لها كل أذن سليمة. . . أين وهن الأنغام المستحدثة من قوة الألحان القديمة التي كنا نسمعها من شيخ الفن وعمدته الأستاذ المرحوم الشيخ درويش، ومن زملائه الحمولي والمنيلاوي والشيخ سلامة ومحمد عثمان وداود حسني وسالم الكبير والسفطي وغيرهم من كبار المنشدين والملحنين؟
تلك أنغام قوة عذبة تبعث في النفوس القوة والنشوة والعزة القومية، وهذه ألحان تميت النفوس وتقتل المشاعر وتحمل إلى القلب الخمول. كانت النفحات الأولى تنبعث من حناجر أصحابها حلوة عذبة شجية ساحرة كأنها أنغام مزامير داود، فتملأ قلوب مستمعيها طرباً