(المرأة)، وعندما رآها بعد سنوات طويلة من الحنين والانتظار، ظن أنه قد عثر على ضالته وحقق أمله، فاندفع وراء الخيال، وراح ينسج الأحلام، ويكيف حياته تكييفاً جديداً على هدى الكوكب الجديد الذي غمر حياته بالنور. . .
وبعد عامين كاملين عرف أنه مخدوع. . . وأن الشيطان كان يسرق القربان الذي يتقرب به إلى (كيوبيد) في معبد الحب ويستحله لنفسه. . . واستحالت حياته إلى بحر من الدموع، وكره العاصمة الكبيرة والحياة فيها، فلما فوجئ بخبر نقله لم يحزن كما يفعل الموظفون، بل تلقى الخبر بفتور، وحمل كتبه وموسيقاه ليهرب من الحياة البراقة الزائفة، وليخلوا إلى نفسه عله يستطيع أن يلهمها العزاء والسلوان! إنه سيحقق حلماً جميلاً طالما تمنى تحقيقه، حياة الطبيعة الساذجة الجميلة، والمساحات الشاسعة الخضراء التي قرأ عن سحرها وجمالها، وما توحيه إلى النفس من صفاء، والناس السذج البسطاء الذين لم يتعلموا شرور المدن الكبيرة وآثامها!
إن حياة المدن تفرض نفسها على الإنسان وتستعبده وتخنق فيه حياة العاطفة والروح. . . وحياة العاطفة والروح هي كل ما ينشده الطبيب الحزين، إنه يأمل أن يجد في صدر الطبيعة ما لم يعثر عليه في صدر المرأة!
وتمكن من أن يروض نفسه على حياة الريف ويستسيغها، ووجد في بساطة الحياة فيه الراحة التي يجدهاً الملاح بعد عاصفة هوجاء هددته بالفناء كان في الصباح يؤدي عمله في هدوء، وفي الأمسية يخرج للرياضة بين المزارع الخضراء، وعنده بعد ذلك كتبه وموسيقاه، ولكنه ظل شديد الانقباض عن الناس زاهداً في الحديث معهم حتى في رؤيتهم!
ووجد (فؤاد) شيئاً من العزاء الذي كان ينشده ولكنه كان عزاء يمازجه كثير من اليأس. . . والفلسفة. كان يقول لنفسه إن الذي يعيش مثله بين المرضى ويرى الإنسانية تتألم وتتعذب بهذا القدر، ويشاهد كل يوم شبح الموت يلهو بالأرواح، لا بد أن يتعلم كيف يزن مسرات الحياة وفواجعها، ويميز صحيحها من باطلها. . . إن أوجاع الحياة توحي إليه بتفاهتها، تلك الحياة التي نجهد أنفسنا في سبيلها حتى الجنون! نفني السنين تلو السنين في المتاعب والهموم، حتى يحل خريف العمر وتذبل أوراقه، عندئذ نبحث عن ثمار جهودنا وعنائنا فلا نجد شيئاً! وتهب علينا ريح باردة تهمس في آذاننا أن الكل باطل، حينئذ، وحينئذ فقط،