للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويسمعه سفراء أمريكا وبريطانيا وروسيا المدافعات عن الحرية وعن الحضارة وعن الإنسانية.

نعم، وهذه فرنسا أيضاً تقيم الولائم للسباع والوحوش في جزيرة مدغشقر، فتفتك بأهل الجزيرة فتكا لا رحمة فيه ولا هوادة والعالم كله يسمع، والإشاعات تتناقل خبر المجازر وتسميها (إخماد ثورة) وتقف بريطانيا صامته عليها الوقار، وتدير أمريكا ظهرها قد شغلتها هيئة الأمم المتحدة التي تنظمها للدفاع عن حريات البشر ورد البغي عنهم! وتنكب روسيا على إصلاح معايش خلق الله ورفع الضيم عنهم بالمساواة بينهم في حقوق الحياة!

وهذه بريطانيا ترتكب شر الأفاعيل في السودان وفي إفريقية، وتقول لأمريكا وفرنسا وروسيا إني أريد أن أكفل لهؤلاء الناس استقلالهم، وأريد أن أرد عنهم اعتداء بني جلدتهم الطامعين في استعمارهم، وأريد أن أترفق بهم حتى أرفعهم من حضيض الجهالات لكي يصبحوا شيئاً في تاريخ هذه الإنسانية، فهي تقتل منهم كما تقتل السائمة، وتدعهم عراة بل تجبرهم على أن يظلوا عراة ليخرجوا لها من ثمرات الأرض ما يرفع مستوى معيشتهم. وتعرف ذلك أمريكا وفرنسا وروسيا فيقولون لها أن نعم، ولك الشكر، ونعم ما تفعلين!

وهذه أمريكا تنطلق من معزلها مرة واحدة لتقول للعالم إني أحمي الضعفاء وأجبر كسر المحتاجين، وأعين على نوائب الحق، وأدفع الظلم عن الناس، وأرفع الضيم عن الضيم، وترى كل هذه ويراه سفراؤها ورجال جامعاتها في الشرق، فلا تكون نصرتها لنا إلا بأن تذهب إلى جزيرة العرب وإلى إيران وإلى بلاد كثيرة من بلادنا لتأخذ البترول، وتقول لنا سأعطيكم من المال مبلغاً ضخماً ترفعون به مستوى معيشتكم، فلا تحملوا المصالح الأجنبية في بلادكم على محمل سيئ أيها الرجال العقلاء. أما مسألة مصر والسودان، وأما مسالة مراكش وتونس والجزائر وهذه المذابح والمجازر، وأما مسألة فلسطين وما فيها من الجور والبغي والعدوان والنذلة، وأما مسألة العراق وسائر البلاد العربية، فذلك كله أمور تتم على وجه آخر إذا جاء حينها، وأنا لا أستطيع أن أتدخل في شئون الدول، بل الأمر كله متروك لهيئة الأمم المتحدة إن شاء الله، فاطمئنوا.

هكذا يرى العربي فعل هذه الدول القائمة على الحضارة والمدافعة عن تاريخ الإنسانية وعن شرفها وعن حريتها: فإذا رأتنا نقول لها الحق غضبت وزعمت إننا نتعصب على الأجانب

<<  <  ج:
ص:  >  >>