المصريين فجمعوا لهم جموعاً من العشائر النازلة في بعلبك والبقاع وساروا بهم نحو جبال لبنان، والتقوا معهم في بلدة عيتات في ٢ ذي القعدة سنة ٦٥٣ هجرية، فاقتتلوا وكتب النصر لألوية أمراء الغرب، وكان فارس المعركة وصاحب الشهرة واليد الطولي أمير منهم اسمه زين الدين صالح بن علي بن بحتر بن علي، سطع نجمه من ذلك اليوم وسيأتي ذكره في معركة عين جالوت وغيرها من حوادث الزمن.
وصالح بن يحيى هذا مؤرخ القوم قال (وجدت باسم سعد الدين منشوراً من الملك المعز أيبك التركماني أول سلاطين الترك بالديار المصرية والعلامة (حسبي الله) وأبدي لنا تعجبه لأن بيروت كانت تتبع الشام والمنشور مصري وهو يعلم أن الملك الناصر الأيوبي صاحب ديار الشام كان يروم أخذ مصر وإعادة ملك الأيوبيين كسابق عهده قبل أن يستقل بها أمراء الأتراك، وكان المعز أيبك يدافع عن ملك مصر ويروم قهر الناصر، وكانت حوادث وخطوب ومعارك، وانتصر فيها المعز وزينت القاهرة ومصر وقلعة الجبل وقلعة الروضة عدة أيام حينما دخل العاصمة والأسرى بين يديه والسناجق منكسة والطبول مشققة، ولعبت الفرسان بالرماح على الخيول في ساحة بين القصرين، حتى إذا وصلوا إلى تربة الملك الصالح نجم الدين أيوب، صاح البحرية:(أبن عينك اليوم يا مولانا لترى أعداءك بين أيدينا).
واستمر الأمر بين مصر والشام على المنازعة والمخاصمة حتى تدخل بين الملكين من أصلح الأمر على أن تكون بلاد الشام إلى العريش للناصر وأن تكون مصر للمعز.
وكان الفرنج على الساحل وبيدهم الحصون والمعاقل يغزون ويقاتلون المسلمين كافة من أهل الشام وأهل مصر، وفي تلك الأثناء سقطت بغداد بيد التتار وساقوا خيولهم إلى أراضي الفرات والشام، فأرسل الملك الناصر صاحب الشام ابنه الملك العزيز إلى هولاكو ومعه تقادم وعدة من الأمراء فوعده بنجدة لإنقاذ مصر من حكامها.
في تلك اللحظة انتهى أمر الأيوبيين أو قضوا على أنفسهم بالفناء بعد أن خالفوا تقاليد صلاح الدين وارتموا في أحضان الغاصب، فضاعت منهم بلاد الشام ولم تقم لهم قائمة، وألقت الأقدار على جند مصر كتابة الملحمة الكبرى في عين جالوت التي تناقل حديثها الأجيال.