في هذه المعركة انضم إلى التتار أمراء وملوك من آل أيوب وغيرهم من مقاتلة المسلمين، وجاء من أمراء الغرب من وقف في صفوف التتار يحارب بإرادته أو رغم أنفه، وكان منهم زين الدين الذي أشرنا إليه فنقل عنه أنه حضر المصاف بين عسكر مصر والتتار على عين جالوت يوم الجمعة الخامس والعشرين من شهر رمضان سنة ٦٥٨ فلما انهزم التتار وتفرقت جموعهم لجأ فريق منهم إلى المرتفعات واختار بعضهم قمة جبل يشرف على المعركة وتحصنوا هناك فأحاطت بهم المماليك السلطانية وسدت عليهم منافذ الخلاص فلحق بهم الأمير زين الدين وانضم باختياره إلى جند مصر وحارب التتار وأعجب مماليك السلطان بقتاله وقوة بأسه حتى صاروا يقدمون له النشاب من تراكيشهم (التركش هي جعبة السهام). ولما انتهت المعركة وجلس المظفر قطز ملك مصر، وجيء بين يديه بالأسرى وفيهم ملوك المسلمين وأمراؤهم الذين أعانوا الخصم وحاربوا في صفوفه، وقدموا إليه الملك المسعود صاحب قلعة الصبية من ملوك بني أيوب وكان شديد الوطأة في حربه على المسلمين فأمر السلطان في الحال بضرب عنقه. وجيء إليه بالأمير زين الدين المذكور وهو من أمراء الغرب فتقدم مماليك السلطان جماعة وشهدوا في حقه وحسن بلائه وقتاله للتتار على ذروة الجبل فنظر المظفر إليه وعفا عنه.
ونقل عن زين الدين المذكور وصف شائق للمعركة يوم عين جالوت قال فيه (والله ما خفت في يوم أكثر منه) وذكر أنه رأى مع العسكر الطبول محملة على ثلاثمائة جمل حتى أخفى أصواتها وقع الضرب بالسلاح على القراقل (الدروع) والخوذ وما كان يتخلل ذلك من صراخ الرجال، وذكر أن بين ما وقع بين يديه فرس هائل المنظر من خيول التتار كان يسابق عليها طويلا.
ذلك خبر أمير من أمراء الغرب على هامش معركة عين جالوت. أما مواقفهم بعد ذلك مع ملوك مصر أيام الظاهر وقلاوون وابنيه الأشرف خليل والناصر محمد فكثيرة، تبرهن على ود وصداقة وتآلف مع مصر، ومنها رسالة من ديوان مصر تقول:(قد بلغنا أن جموعكم قد تفرقت، وأنتم تعلمون أن هذا الوقت الذي يظهر فيه مناصحة الدين والدولة القاهرة فليتقدم الأمراء أيدهم الله برد الرجال إلى جهة صيداء، وليجتهدوا في المساعدة على حفظ هذا النفر مؤيدين إن شاء الله). . .