ثم استمر على قراءة القصيدة لتعلم اقتراب جيشه من جيش العدو أعني لتعلم التقدم نحو الهدف:
ولما وردنا (لدرب) والروم فوقه ... وقدر (قسطنطين) أن ليس صادر
ضربنا بها عرض (الفرات) كأنما ... تسيرنا تحت السروج الحرائر
إلى أن وردنا (الرقتين) نسوقها ... وقد نكلت أعقابها والمقاصر
فهنا اصطدم جيش الحمداني بجيش قسطنطين وهرب الأخير واستمر الأول على الزحف:
ومال بها ذات اليمين (بمرعش) ... مجاهيد يتلو الصادر المتصادر
فلما رآى جيش (الدمستق) زاحمت ... عزائمها واستنهضتها البصائر
لقد اصطدم هذا الجيش بقوات جديدة للعدو هي جيش الدمستق فاستمع إليه يصف هذا الصدام الجديد:
وما زلن يحملن النفوس على الوجى ... إلى أن خضبن بالدماء الأشاعر
وولى على الرسم (الدمستق) هاربا ... وفي وجهه عذر من السيف عاذر
فدى نفسه بابن عليه كنفسه ... وفي الشدة الصماء تفنى الذخائر
لقد تحملت خيول الحمداني عبء المعركة ثقيلا إلى أن خضبت أشاعرها بالدماء حيث تم له النصر واندحر جيش الروم وفر قائده الدمستق بعد أن ترك ابنه أسيراً لدى أبي فراس.
هذه أبيات صورت معركة من معارك العرب تصويراً يكاد لا يختلف كثيراً ووصف المعارك الحديثة بالكتابة.
وهذا ابن هاني الأندلسي له باع طويل في تسجيل المعارك في شعره، فأقرأ قصيدته الدالية التي يصف فيها نصراً شهده لجيش جعفر بن علي بن غلبون واستيلاءه على قلعة كتامة قال:
أقمنا فمن فرساننا خطباؤنا ... ومنبرنا من بيض ما تطبع الهند
ولو لم يقم فيها لحمدك خاطب ... علينا وفينا قام يخطبنا الحمد
على حين لم يرفع بها لخليفة ... منار ولم يشدد بها عروة عقد
وكانت شجاً للملك ستين حجة ... وما طيب وصل لم يكن قبله صد
بها النار نار الكفر شب ضرامها ... ولو حجبت في الزند لاحترق الزند