وعادت بها حرب الأزراق لاقحا ... وإن لم يكن فيها المهلب والأزد
ولما اكفهر الأمر أعجلت أمرها ... فألقت وليد الكفر وهي له مهد
أخذت على الأرواح كل ثنية ... وأعقبت جنداً واطئا ذيله جند
لقد تحشد جيش ابن غلبون لغزو هذا الحصن الممتنع العاصي الذي لم يطع الخلافة الأندلسية ستين عاما حتى كان شجا في حلق الدولة وتقدم إليه ورماه بالنار فصمدت واكفهر الأمر على الفاتح فأعجل الضربة حتى سقط بين يديه وأحاطه بعسكره بعد أن سد على المدافعين الطرق والمسالك ودهمهم بجنده فتساقطوا جثثا وأشلاء.
ثم هذا أبو الطيب المتنبي يسجل وقعة للأمير الخالد سيف الدولة الحمداني بقصيدة رائعة شهيرة هي تلك التي يقول في مطلعها على قدر أهل العزم تأتي العزائم.
وكان سيف الدولة قد غزا قلعة الحدث وصحب معه الشاعر:
خميس مشرق الأرض والغرب زحفه ... وفي أذن الجوزاء منه زمازم
تجمع فيه كل لسن وأمة ... فما تفهم الحداث إلا التراجم
فلله وقت ذوب الغش ناره ... فلم يبق إلا صارم أو ضبارم
أما وقد علمت هذا الجيش ومقداره وتحشده فاعلم حاله قبل الصدام: -
تقطع ما لا يقطع الدرع والقنا ... وفر من الأبطال من لا يصادم
وهنا تخلص الجيش الحمداني من الضعفاء وسيدخل المعركة قريبا وبعد فاستمع إلى الشاعر يصور لك تعبئة القائد وأسلوب دخوله المعركة:
ضممت جناحيهم على القلب ضمة ... تموت الخوافي تحتها والقوادم
بضرب أتى الهامات والنصر غائب ... وصار إلى اللبات والنصر قادم
وينخذل العدو بعد هذه الضربة ويستثمر الفوز ابن حمدان فيقول الشاعر:
نثرتهمُ فوق (الأحيدب) كله ... كما نثرت فوق العروس الدراهم
تدوس بك الخيل الوكور على الذرى ... وقد كثرت حول الوكور المطاعم
ثم يعلن لك المتنبي خسائر العدو في هذه المعركة ويذكر هرب قائدهم ومقتل ابنه وصهره وابن صهره حيث يقول:
أفي كل يوم ذا الدمستق مقدم ... قفاه على الإقدام للوجه لائم