للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

موسوليني والذي هو اليوم جيل الشباب في إيطاليا. وأظنني أكون أكثر إنصافاً وأقرب إلى محجة الصواب والحقيقة إذا قلت إن هذا النضوب تشكو منه بلاد أخرى، أو البلاد الأوربية بأسرها التي لم يقم فيها طاغية ولم تأخذ النظم الغاشمة على شبابها سبل الأدب الحر والتفكير الطليق، ففرنسا مثلا التي ظهر فيها غداة الحرب العامة الأولى رهط من كبار الكتاب والمفكرين لا نجد فيها من الكتاب الجدد سوى عدد لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة)

(فالداء إذن أوربي عام، لا إيطالي خاص، وأظنه مظهراً من مظاهر إحدى الأزمات الحادة التي يشكو منها الغرب والتي لا تدل على أن هذه القارة آخذة بالأسباب التي تضمن لها الاحتفاظ بعد وقت قصير بالسيادة الأدبية والفكرية التي بسطتها على العالم غداة خروجها من ظلمات القرون الوسطى. .)

وهذا الذي يقوله الكاتب صحيح، وإن الباحث ليلمس آثاره وشواهده لأول نظرة يلقيها على الحالة الأدبية والفكرية في أوربا، ولكن ليس معنى هذا أن أوربا ستفقد سيادتها الأدبية والفكرية كما يتوقع الكاتب، لأنها حال عامة تتمثل في جميع قارات العالم، فنحن مثلا في مصر لم نجد الشبان الذين استطاعوا أن يشغلوا الأذهان عن أولئك الشيوخ الذين سيطروا على الحركة الفكرية منذ الحرب الأولى ولا تزال أسماؤهم إلى اليوم تتداولها الألسن وتشخص إليها الأبصار، وهذه أيضاً هي الحال في جميع الأقطار العربية وفي كل مناحي الشرق.

وهذه الحال في حقيقتها لا ترجع إلى إقفار الأذهان من النبوغ، بل إنها ترجع إلى ضآلة التقدير للقيم الأدبية، فالعالم الآن يعيش في نشوة علمية اقتصادية يغذى بها عواطفه ومشاعره، فالناس يعنيهم أن يلتفتوا إلى الصراع القائم بين المذاهب الاجتماعية والسياسية الآن أكثر مما يعينهم الأدب الخالص، وليس هذا مما يدعو إلى التشاؤم والخوف على مستقبل الأدب والقيم الروحية فإن العالم لابد أن يضيق بهذه الحال الطارئة، ويعود الناس في يوم قريب متلهفين يبحثون على صلاتهم الطبيعية بالحياة، ولن يكون ذلك إلا إذا هدأت الأعصاب المتوترة واطمأنت الأفكار القلقة وانتهى ذلك النضال العنيف القائم حول الرغيف.

المؤتمر الثقافي العربي الأول:

<<  <  ج:
ص:  >  >>