عظيمة. وكان أبوها وأخوتها يقتربون منها، ويربتون لها على ظهرها، ويعجبون بجمالها، ويغرقون في استحسان شكلها، ويقدمون لها حزماً من الحشيش الأخضر فتعلق أيديهم الممدودة. وأخيراً سولت لها نفسها أن تعترف عن اسمها لأبيها وتعرب له عن رغبتها، غير أنها لم تكن تقوي على التعبير عن شعورها؛ فعن لها أن تحفر لها اسمها على الرمل بظلفها. أما إناخوس فميزة؛ وعندما عرف أن ابنته التي كان ينشدها من غير جدوى متنكرة بتلك الهيئة، علا وجهه ضباب قاتم من الحزن، وعانق على الفور جيدها الناصع الجميل، وصرخ قائلا:(لهفي عليك أيتها العزيزة الغالية! فلأن أفقدك بالمرة أهون على من رؤيتك بهذه الحالة!) وعندما لاحظ الحارس ذلك، جاء وساقها أمامه وجلس في محل عال يتمكن فيه من رؤية ما حوله.
أما المشتري، فقد كان يزعجه كثيراً أن يرى خليلته تعاني أبرح الآلام والأهوال؛ فالتجأ إلى عطارد - رسول الآلهة - وطلب إليه أن يدبر حيلة تنتهي بالتخلص من الحارس. فأسرع عطارد واحتذى خفيه المجنحين، ولبس قبعته، وتأبط عصاه السحرية، وقفز من أبراج السماء إلى الأرض؛ وهنالك خلع أجنحته واحتفظ بعصاه وتظاهر بأنه راع يسوق قطيعه. وكان في طريقه يعزف على سرنكس مزماره الغريد، فأطرق أرجوس وأرهف مسمعه للنغمات العذاب التي أخذ يصدح المزمار بها، إذ لم يكن رأي مزماراً كهذا من قبل. فناداه قائلا:(تعال هنا أيها الشاب واجلس بجانبي على هذا الحجر؛ لتكن نفسك مطمئنة، إذ لا يوجد مكان يكثر فيه العشب كالمكان الذي ارتادته أغنامك؛ وههنا الظل الظليل الذي يتوخى الرعاة أن يصطفوا فيه مجالسهم) فجلس عطارد بجانبه، وأخذ يخوض معه في أحاديث متنوعة، ويقص عليه الأقاصيص الطريفة، ويعزف على مزماره صوادح الألحان التي تبعث النوم إلى الأجفان. . . كانت الشمس قد آذنت بالمغيب، وخضبت وجنة الأفق بأشعتها السحرية التي تبهج النفوس. أما الحارس، فقد ظل يقظان ليقوم بالمراقبة، بالرغم من كل الجهود التي بذلها عطارد ليجعل النعاس يستحوذ عليه، والهجوع يستبد بجفونه. ومن بين تلك الأقاصيص قصة اختراع آلته الصداحة، قال: (كانت تعيش حورية حسناء تدعى سرنكس، وقد تيم حبها الجنيين وأخذ بمجامع قلوبهم، ولكنه لم يخطر ببالها قط أن تتزوج أحداً منهم لأنها كانت متعبدة مخلصة لديانا - إلهة الصيد. وكانت سرنكس مغرمة