وكالستو حسناء ثانية أضرمت سعير الحسد في صدر يونو، فمسختها الإلهة دبة قائلة لها:(لأسلبنك تلك الفتنة التي استهويت بها زوجي فعنا لها!). وعندها خرت كالستو إلى ركبها، وحاولت أن تتوسل إلى يونو، غير أن يديها بدأتا تتغطيان بشعر أسود، وتتسلحان بأظافر ملتوية. وأما ذلك الفم الذي طالما تغنى المشتري بجماله، فصار ينفرج عن فكين شنيعين؛ وأما صوتها الذي لو بقي على حاله لأثار كوامن الحب والشفقة في القلوب، فتحول زمجرة مرعبة. ولكن مزاجها الأصيل بقي على حاله، فلم يعتره أقل تغيير أو تبديد. وبتلك الزمجرة المستمرة، كانت تندب سوء حظها وتستعطف الرحمة من قلوب الراحمين؛ ولكنها صارت تشعر بأن المشتري عدم الشفقة، مع أنها لم تجهر بما تضمر. وفي مناسبات عديدة، كانت تخشى البقاء في الأحراج وحيدة طوال الليل وخصوصاً بين الكلاب التي تخيفها بهريرها، فتنطلق نافرة من الصيادين. ولقد بلغت بها شدة الخوف إلى أن صارت تهرب من الوحوش البرية حتى من الدببة، متناسية أنها أصبحت من معشرهن.
وفي ذات يوم وأت شابا يصطاد في الحرج، فأيقنت أنه ابنها، وثارت في نفسها آنئذ أمواج من العواطف الأبوية؛ فتوقفت وأرادت أن تعانقه. وعندما اقتربت منه وجف قلبه، فأشرع رمحه، وأوشك أن يطعنها به؛ غير أن المشتري حسما لوقوع الجريمة اختطف الاثنين إلى السماء واتخذ منهما الدب الأكبر والدب الأصغر.
فثارت ثائرة الغضب في صدر يونو عند ما رأت خصمها متسنمة عرش السماء؛ فأسرعت تيثيس وأوشيانوس - وهما إلها البحار - وخاطبتهما قائلة: - (أتسألان ملكية الآلهة لماذا انحدرت من السهول السماوية إلى هذه الأعماق؟ أجل! انظرا عند ما تخيم الظلمة تريا بجانب القطب الاثنين اللذين بولغ في إكرامهما وحلا محلى في السماء! أتظنان بأن أحداً بعد اليوم سيقيم لي وزنا أو سيني في احتقاري عند ما يعلم بأن الإساءة إليّ تقصي عني مثل هذه المكافأة؟! هذا ما استطعت أن أعمله وهذه سعة قدرتي!! حرمتها من شكاها البشري فحلت بين النجوم النيرات!! إنه لمن الأفضل أن تستعيد شكاها القديم كما فعلت إيو عند ما تجاوزت عنها؛ لهذا السبب جئت مستغيثاً بكما - إن كنتما ترأفان بي وتستنكران هذه المعاملة السيئة التي نكبت بها - أن تثأرا لحقي المسلوب، وتمنعاهما من المجيء إلى مياهكما).