قبل نهضتهم الأخيرة منذ أواخر القرن الماضي، فلما نهضوا نهضتهم تلك في العصر الحديث كانت ثقافتهم نسخة مصحفة من الثقافة الأوربية أو الأمريكية؛ فلم يحفل بها الأوربيون والأمريكيون لأنهم يطلبون الغرائب ولا يحفلون كثيراً بنقل الآثار الفنية التي تشبه ما تعودوه وألفوه.
وقد حال بين الأمة اليابانية وبين تسجيل مأثوراتها الشعرية والنثرية أنها لم تعرف الكتابة قبل القرن الرابع للميلاد، ولم يكن شعراؤها وأدباؤها من جمهرة الشعب ولا من أوساط الناس في أكثر الأحوال، بل كانوا من الأمراء والكهان والأساتذة الذين يقرضون الشعر كما يقرضه المترفون في أوقات الفراغ.
على أن هذا كله لم يمنع العبقرية اليابانية أن تسلك طريقها إلى اللغات الأوربية، فتجلت تلك العبقرية في نمطين من الشعر تعلو فيهما الصبغة القومية على كل صبغة، وهما مقطوعات (الهاكو) ومنظومات الوقائع الحماسية التي وضعوها قديما في أسلوب الروايات التمثيلية.
أما مقطوعات (الهاكو) فهي أشبه الشعر بما طبع عليه اليابانيون من الدقة والأناقة، وهي مقطوعات لا تتجاوز الواحدة منها بيتين أو شطرين. ومن أمثلتها التي نشرناها في بعض مقالاتنا بيت يقول فيه الشاعر وقد نظر إلى شجرة:(ها قد سقطت هنالك زهرة كلا إنها فراشة!) وبيتان يقول فيهما الشاعر في حقائق الحياة وأوهامها: (ما دمت أعلم أن الوقائع التي نشهدها ليست هي كل اليقين، فمن أين لي أن أحلام المنام ليست سوى أحلام؟).
وكل هذا الشعر على هذا النحو من الدقة التي تتلألأ في ألفاظها الوجيزة كما يتلألأ الفص النفيس في الخاتم الفريد. وأكثر ما ينظمونه في الوصف والحكمة على هذا المثال.
أما شعر الحماسة في الروايات التمثيلية أو القصائد المطولة فهو من سليقة اليابان التي استقلوا بها عن المقتبسات الصينية، لأن أهل الصين لا يقدسون المجد العسكري كما يقدسه جيرانهم الشرقيون
وأشهر شعرائهم فيه (شكامتسو) الذي يلقب بشكسبير اليابان. وقد ترجمه إلى الإنجليزية أديب ياباني معاصر هو الأستاذ اساتارو مياموري أستاذ الأدب الإنجليزي في جامعة طوكيو، وقد له تقديماً حسناً يغني بعض الغناء عن المطولات في التعريف بهذا الفن