ومهما يقل القائلون عن غلبة الاقتباس على الفنون اليابانية فمما لا شك فيه أن هذه الأمة مطبوعة على ذوق الجمال الأنيق والإعجاب بمحاسن الطبيعة. وقد شاءت لهم هذه الطبيعة أن يتفرغوا للأناقة وحدها بين أفانين الحسن والملاحة. فكانت الأناقة أيضاً هي السمة الغالبة على فن العمارة في جزائرهم البركانية، لأنهم قد استغنوا عن فخامة البناء بالأكواخ الصغيرة والجواسق المنقمة، فاتفقت لهم أسباب الأناقة في جميع الفنون.
ولا يخفي أن الأناقة تكون مع الاقتباس كما تكون مع الاختراع فتأنق اليابانيون فيما اقتبسوه كما تأنقوا فيما ابتدعوه.
إلا أنهم محافظون تقليديون في عاداتهم ومشاربهم قبل كل شيء
وآية هذه المحافظة التي تغني عن إطالة البحث فيما عداها أنهم لا يزالون يعبدون الملوك، ولا تزال أسرة المالكين المعبودين فيهم هي الأسرة التي ملكتهم وحلت بينهم محل الأرباب منذ عشرات القرون.
أما الفلسفة فهي كما يعلم القراء على اقتران دائم بالعقائد الدينية، ولا سيما فلسفة البحث فيما وراء الطبيعة.
وقد أخذ اليابانيون عقائدهم من البوذية الصينية، وأخذوا عن أهل الصين كل تصرف في هذه العقائد، سواء منها عقائد العبادات وعقائد السلوك.
ونشأ بينهم قديما حكماء على نهج الحكماء الصينيين، محور حكمتهم الوصايا السياسية وقواعد العرف المرعي في المعيشة اليومية. وقل بين حكمائهم من توسع فيما بعد الطبيعة وتابع النساك البوذيين في التوجه إلى الحقائق المجردة والإعراض عن الأوهام الدنيوية؛ لأن اليابانيين دنيويون بالسليقة لا يسيغون فلسفة التجرد وإنكار الحياة.
لا جرم لم تكن لليابانيين إذن فلسفة مستقلة فيما وراء الطبيعة، ولم ينبغ بينهم الفلاسفة كما نبغ الشعراء الغنائيون والحماسيون ومهندسو البناء ومنسقوا الحدائق ومنازه الجبال.
وقد ظلوا كذلك إلى القرن الماضي الذي ترجموا فيه المذاهب الفلسفية عن الغربيين، فاستبدلوا تقليداً بتقليد، ولم ينجبوا بعد فيلسوفا يبدع لليابان مذهباً لا يدين في جوهره ولبابه لأحد من فلاسفة الأوربيين والأمريكيين. وربما كان أروج الفلاسفة بينهم سبنسر ووليام