نرى من هذا أن الأحلام لو كانت كلها من نوع أحلام الطفولة لانحلت المشكلة ووصلنا إلى غايتنا في غير ما حاجة إلى استجواب الحالم أو الرجوع إلى عقله الباطن أو استخدام طريقة الترابط المطلق. وعلى هذا فالمسألة التي علينا أن نبت فيها الآن هي معرفة ما إذا كانت الصفات التي تنطبق على أحلام الطفولة تنطبق كذلك على بقية الأحلام وبالأخص تلك الأحلام التي تبدو غير واضحة المعنى والتي لا نستطيع أن نرى في محتواها الظاهر أية إشارة أو تلميح إلى رغبة ظلت بغير إشباع من اليوم السابق. هذه الأحلام في رأيي قد تعرضت إلى درجة عالية من التحريف وعلى هذا أرى أن لا نتسرع بالحكم عليها، فأغلب الظن أننا سنحتاج في التغلب على هذا التحريف إلى معونة التحليل النفساني الذي استطعنا أن نستغني عنه أثناء دراستنا لأحلام الطفولة.
ومع هذا فهناك على الأقل نوع آخر من الأحلام خال من التحريف كأحلام الطفولة ويعبر مثلها عن إشباع رغبته. وهذا النوع ينشأ عن الحاجات الطبيعية الملحة كالجوع والعطش وإشباع الرغبة الجنسية. فتحت يدي مثلا حلم لطفلة لها من العمر سنة وسبعة شهور يحتوي على قائمة بأصناف المأكولات وفي أعلاها اسم الطفلة. وقد جاء الحلم كرد فعل ليوم اضطرت فيه الطفلة إلى الصيام عن الطعام نظراً لسوء الهضم الذي ألم بمعدتها نتيجة لكثرة الأكل من نوع من الفاكهة ظهر مرتين في الحلم. وقد أثبتت المشاهدات أن السجين الذي يترك بغير طعام، أو المسافر الذي يعاني الجوع والحرمان يحلم دائماً بإشباع رغباته. وقد جاء في كتاب لأوتو نوردنسكولد عن العصبة التي أمضى معها فصل الشتاء ما يلي:
(كانت أحلامنا في هذا الوقت تشير بوضوح إلى الاتجاه الذي كانت تتخذه أفكارنا، فلم يسبق لنا قبل ذلك أن رأينا أحلاماً بهذه الكثرة والوضوح، حتى إن الرفاق الذين كانوا لا يحلمون إلا نادراً أصبحت لديهم قصص طويلة يقصونها علينا في الصباح عندما كنا نتبادل رواية ما قمنا به من تجارب في هذه الدنيا الواسعة من الأطياف. وقد كانت الأحلام كلها عن هذا العالم الخارجي الذي أصبح بعيداً عنا، ولكنها كانت غالباً ما تحوي تلميحات إلى الحالة التي كنا عليها؛ فالأكل والشرب والسفر كانت في أغلب الأحيان المحور الذي تدور حوله أحلامنا. . . فكان بعضنا يحلم بالموائد الحافلة، والبعض الآخر يحلم بالسفن رائحة وغادية وهكذا. .)