وإذا كان أحدكم قد أكل يوماً أكلة أظمأته أثناء الليل فمما لاشك فيه أن سيحلم بشرب الماء. ولكن هذا الحلم بالطبع لن يخفف عنه حدة الظمأ، وما يحدث في هذه الحالة هو أنه يصحو من النوم ظمآن ويضطر إلى أن يشرب ماء حقيقياً. والخدمة التي يؤديها الحلم في هذه الحالة ليست بذات قيمة من الوجهة العلمية، ولكنها مع ذلك ترينا أن الغرض من الحلم كان حماية النوم من المؤثرات التي تدفعنا إلى اليقظة والعمل، وقد تستطيع هذه الأحلام أن تؤدي الغرض منها إذا كانت الرغبة على درجة أقل من الحدة
وليس معنى هذا أن أحلام (إشباع الرغبة) التي هي من نوع أحلام الطفولة لا تنشأ عند البالغين إلا كرد فعل للحاجات الطبيعية الملحة التي ذكرتها سابقاً، وإنما هناك أنواع أخرى كذلك من الأحلام، قصيرة واضحة تنشأ عن حالة عقلية خاصة تكون مستولية على تفكير الشخص. فمثلا هناك (أحلام الملل)، وهي تنشأ عندما يكون الشخص آخذاً في الاستعداد للقيام بعمل هام كرحلة طويلة، أو مشاهدة مسرحية ذات موضوع يستهويه، أو زيارة صديق، أو سماع محاضرة شيقة. . . الخ. فمثل هذا الشخص ما تكاد عينه تغفو حتى تلم به الأحلام فتحقق له مقدماً ما كان يستعد لتحقيقه، فإذا به يرى نفسه على ظهر الباخرة، أو في قاعة التمثيل، أو يتحدث إلى صديقه الذي كان يأمل في زيارته وهكذا.
وهناك أيضاً أحلام من نوع آخر يطلق عليها (أحلام الراحة)، وهي تنشأ عندما يكون الشخص مستغرقاً في النوم لا يريد أن يصحو منه أبداً، وفيها يرى الشخص نفسه كأنما هو يغسل وجهه، أو يرتدي ملابسه، أو في طريقه إلى المدرسة، ومعنى ذلك أنه يفضل أن يحلم أنه استيقظ من النوم على أن يستيقظ منه فعلا. وفي هذه الأحلام نرى أن الرغبة في النوم (وهي التي قلنا عنها إنها تدخل في تكوين الأحلام)، تتمثل بوضوح وتبدو كأنها السبب الحقيقي في تكوين الحلم. وهي في هذا الاعتبار تدخل ضمن الحاجات الطبيعية الملحة التي ذكرناها سابقاً.
تذكرون أنني سبق أن قلت لكم إننا نجد في جميع الأحلام فيما عدا أحلام الطفولة وما يشبهها، عائقاً يعوقنا عن التفسير وهو التحريف. ونحن لا نستطيع أن نقرر من الآن إن كانت هذه الأحلام أيضاً إشباعاً لرغبات، كما أننا لا نستطيع أن نخمن أي مؤثر عقلي دفعها إلى التكوين، ولا أن نثبت إن كانت هي أيضاً تعمل كأحلام الطفولة على تصريف