سبيل تحقيق المآرب الشخصية، كما يمتاز أفرادها بالتعصب والتطرف وسرعة التأثر، وبالعمل الدائب المستمر على الوقوف في وجه الأهالي حتى لا يكسبوا أي حق من الحقوق لأنهم يعتقدون أن في ذلك ما يمس مصالحهم، وهم لا يضمرون عطفاً للأرض التي يعيشون بفضلها ولا للدولة الفرنسية التي تحميهم، كما أنهم على استعداد لمناصرة أي نظام يستطيعون في ظله أن يشبعوا نهمهم، ولو قام ذلك النظام على أنقاض النظام الفرنسي الحالي. وربما بلغ بهم الأمر حد التآمر على الممثل الفرنسي لأنه لم يحقق لهم مأربا، بل يبلغ بهم الأمر أن يحتجوا في جرأة ووقاحة إذا ما نال المواطنون حقاً من الحقوق البسيطة. إنهم ليسوا من صميم الفرنسيين، ولكن فرنسا هي التي تتحمل مسؤولية ما يقومون به من أعمال لاستعباد الأهلين الفلاحين في هذه البلاد، واستغلال جهودهم وامتصاص دمائهم وكل المساوئ التي تتمثل فيهم. فرنسا مسؤولة عن أعمالهم لأنها هي التي عملت على أن تكون حياتها في أفريقية الشمالية معتمدة على هذه الطائفة الخطيرة وهي التي أنشأتها وساعدت على تمكينها من أجود الأراضي الزراعية ومن مقاليد الحياة الاقتصادية عموما.
وسوف تستمر الفوضى في أفريقية الشمالية ما دامت هذه الطائفة موجودة فيها على هذا النحو الخطير، لسبب بسيط هو أنها تستمد حياتها من هذه الفوضى، فهي لا تصطاد إلا في الماء العكر، ومن مصلحتها أن لا يصل الوطنيون إلى أي اتفاق مع الحكومة الفرنسية، ولذلك فإن أول خطوة كان يجب أن تتخذها فرنسا هي أن تحد من نشاطها وتضرب على يدها وتكافح هؤلاء الناس الذين لا يستوحون في حياتهم سوى ملء الجيوب والبطون. أما تفتيت القومية في تلك البلاد فلعل هذه السنين الطويلة الحافلة بالمآسي كافية لكي تفهم الفرنسيين أنهم يحاولون المستحيل، فقد برهن العربي في أفريقية الشمالية على أنه غير قابل لأن يفنى مهما كانت القوة التي تحاول أن تقضي عليه، وربما عجز الخيال عن تصوير النتائج الخطيرة التي يمكن أن تنجم عن استمرار هذه الطائفة في التقوى والاستعلاء.