مقرونة بامتيازات عديدة، ووزعت عليهم الأرض، ومن هؤلاء تناسلت الكثرة الغالبة من طائفة المستعمرين، الذين يدعون أنفسهم بالفرنسيين الجزائريين، وازداد خطرهم استفحالا مع مرور السنين.
ولقد كانت الإدارة المحلية دائما أشد تطرفاً من حكومة باريس في تشجيع طائفة المستعمرين هذه منذ نشأتها، حتى إن التشريعات التي أصدرها نابليون الثالث لإنصاف عرب الجزائر قبرت في الإدارة المحلية بتأثيرهم، وقد ظلت الإدارة تراوغ في تنفيذها إلى أن قامت الجمهورية الثالثة وتنوسي أمر تلك التشريعات نهائيا.
ثم بعد ذلك مدت فرنسا حمايتها على تونس سنة ١٨٨١ ثم تقدم الزمن واستطاعت أن تمدها على مراكش أيضاً سنة ١٩١٢ فكان شعار الفرنسيين فيهما أيضاً هو (الفتح بالمحراث والسيف) وجاء المستعمرون الفرنسيون في إثر الجيش وبدأت نفس الإجراءات القديمة تتخذ في أفريقية الشمالية كلها، على الرغم من التباين الموجود في علاقة شعوبها بفرنسا، ولم تمر إلا مدة قصيرة حتى كان خطر هذه الطائفة يهدد مراكش نفسها التي لم يمر اليوم على تبعيتها لفرنسا سوى خمسة وثلاثين عاما.
وتعمل تلك الطائفة اليوم في تونس ومراكش على أن تنال كراسي في البرلمان الفرنسي لكي يزيد تأثيرها في السياسة الفرنسية وتمهد لاعتبار أراضيهما أراضي فرنسية، ولكنها اصطدمت بالقومية فيهما، وقد كاد يتم تأسيس دائرة انتخابية للفرنسيين فيهما لولا احتجاج جلالة ملك مراكش وسمو باي تونس على ذلك، ولولا أن الوضعية السياسية في البلدين تمنع من تأسيس مثل هذه الدائرة، ولكن هذا لم يفت في عضد المستعمرين، إذ ما يزالون يسعون في نشاط للوصول إلى غايتهم متحينين الفرص وعاملين على خلقها.
وهم يتخذون مختلف الوسائل المشروعة وغير المشروعة للتأثير على العسكريين والموظفين، سواء في هذه البلاد أو في فرنسا. وعلى ذلك فإننا نستطيع أن نقول إن وجود هذه الطائفة خطر شديد على الحياة الاقتصادية، إذ يستطيع أفرادها بما لهم من نشاط وقدرة وأساليب خاصة، أن يهدموا القواعد التي تسير عليها الدولة حتى إن كبار الموظفين الفرنسيين يصطدمون بهم، وقد حدث كثيراً أن اصطدم بهم ممثل فرنسا نفسه.
وتمتاز طائفة المستعمرين بالجشع الذي لا نهاية له، والأنانية التي تستهين بكل شيء في