كتابه (عهد الطفولة) باكورة فنه وخطوته الأولى صوب المجد وذهاب الصيت وأرسلها بإمضاء ل. ن. إلى مجلة شهيرة كانت تسمى (المعاصر) وكان يصدرها رجلان من أعلام الأدب وقتئذ وهما نكراسوف وبانييف. . .
وظل ليو شهرين ينتظر رداً من المجلة وهو يسلم نفسه إلى الأمل الحلو تارة وإلى اليأس المرير تارة حتى جاءه كتاب من نكراسوف ينبئه فيه بقبول القصة للنشر، ولكن على ألا يدفع لصاحبها أجراً حسب ما تعارف عليه أصحاب المجلات الأدبية يومئذ إذ كانوا لا يدفعون أجراً لكاتب غير معروف على أول شيء يقبل منه للنشر. . .
وفرح تولستوي فرحا عظيما بالنشر في ذاته فهذه أمنيته، أما الأجر فما خطر بباله قط؛ وازداد فرحا إذ جاءه كتاب ثان من نكراسوف يقول فيه إنه ازداد رضاء عن القصة وهو يصححها للطبع وأنه يعتقد أن مؤلفها ممن وهبوا المقدرة، وإنه لأمر ذو أهمية أن يعمل المؤلف ذلك في بداية عهده بالكتابة. . .
ونشرت القصة في عدد أكتوبر فسرعان ما حظيت بثناء أهل الفن جميعا وفي مقدمتهم تُرجنيف ذلك الذي كان اسمه من أشهر الأسماء يومئذ في فن القصة، ومنهم دستويفيسكي وكان في منفاه بسيبيريا فكتب إلى أحد أصدقائه يسأله من يكون ل. ن. هذا صاحب تلك القصة. . .
ولم يكن بالأمر الهين أن يلتفت ترجنيف ودستويفسكي إلى هذا الكتاب فقد خلف هذان الكاتبان جوجول في زعامة القصة واغتدى اسماهما أرفع الأسماء في الجيل الذي أعقب جيل جوجول. . .
وطابت نفس الفتى ليو نيقولا تولستوي وابتهج فؤاده بهذا النجاح، وإن كان ضايقه من الناشر أنه غير عنوان الكتاب فجعله (تاريخ عهد طفولتي) بدلا من عنوانه الأصلي (عهد الطفولة) وذلك أن الكاتب كما ذكر في أكثر من موضع لم يقصد بكتابه أن يكون ترجمة منه لنفسه. . . وكذلك ضايقه أن الرقيب تناول بالحذف أو التغيير بعض عبارات الكتاب.
أخذت تتفتح الأكمام في هذا الكتاب عن عبقرية الكاتب الناشئ الذي لم يتجاوز الرابعة والعشرين من عمره، وبدأت تنجلي خصائص فنه وتتضح مواهبه وفي مقدمة تلك المواهب إحساسه المرهف وقلبه الشاعر وذكاؤه الحاد وبصيرته النافذة إلى أعماق الأشياء المحيطة