والمناظر، ما استطاع صبراً على العيش هناك، ولا أطاق حياة الجندية وما فيها من خشونة وما كانت تبعثه في نفس كنفسه من سأم وضيق بأيامها المتكررة المتشابهة. . .
وبدأ يشكو أسقاماً في معدته وأمعائه وكان مرد ذلك إلى ما اعتاده من إسراف في الطعام، فقد كان من مرذول عاداته نهمه في تناول أنواع من الأطعمة كان يحبها كالفطائر والمثلجات وأصناف الحلوى، وكان لا يستطيع أن يصد نفسه عنها إذا تهيأت له، أو يفطمها إذا غابت عنه، وإنما كان يسعى إليها سعياً حتى يظفر منها بأوفر نصيب وإن مسه الضر؛ وكان لا يكترث لنصح أو يشفق من أذى اتكالا على ما يحس من قوة بنيته وشدة حيوانيته، ورغبة منه في تعويض ما يبذله من طاقة في تلبية نداء جسده. . .؛ ولكن ذلك النهم قد أضر بمعدته ضرراً أخذ يزداد منذ كان في القوقاز وسوف يتمكن منها حتى ليستعصي على العلاج حين يتقدم به العمر. . .
وكذلك أخذ يشكو من الروماتزم والحمى والرعاف والتهاب الحلق في كثير من الأحيان، ونجده يكتب إلى عمته تاتيانا ذات مرة يقول لها (لا تظني أنني أخفي عنك شيئا. . . إني وإن كنت متين البنية أعاني دائما ضعف الصحة).
وفي شهر مارس سنة ١٨٥٣ يكتب في يومياته قائلا (إن الخدمة في القوقاز لم تجر عليَّ إلا المصاعب والكسل ومعرفة غير الأخيار. . . إنه ينبغي أن أخلص منها أسرع ما أستطيع. . . لقد فقدت ما كان معي من المال جميعاً، ولا زلت مديناً بثمانين من الروبلات لأوجولين وستة ليانوفتش وخمسين لسكوفنين وثمان وسبعين لقنسطنطينوف؛ وتبلغ جميعاً أربع عشرة ومائتين، وقد أنفقت فضلا عنها ثلاثين ومائتين كانت كل ما أملك. . . إن ذلك لسيئ).