الفرس من البلاد التي في سلطان الروم، وعلى أن يرد الصليب. وقد سار هرقل بالصليب إلى بيت المقدس فوضعه مكانه في شهر سبتمبر سنة ٦٢٩. وكان يوماً عند النصارى مشهوداً، وتمت الغلبة للروم.
كان انتصار الفرس في الشام حوالي سنة ٦١٥ وبعد بضع سنين شرع الروم يهزمونهم سنة ٦٢٢ وتوالت عليهم الهزائم حتى قتل برويز وصالح أبنه مصالحة المغلوب على أمره.
وذلك تأويل الآية الكريمة:(وهم من غلبهم سيغلبون في بضع سنين).
ونرجع إلى رهان أبي بكر وأبي بن خلف.
روى أن أبا بكر حين هاجر أخذ عليه كفيل وإنه حين انتصر الروم أخذ الرهن من أولاد أبي بن خلف.
وهنا نقول: لماذا اهتم العرب بحوادث الروم والفرس ولماذا أنزل فيها قرآن؟ يقول المفسرون إن مشركي العرب فرحوا بانتصار الفرس وهم أصحاب أوثان كالعرب المشركين وبانهزام الروم وهم أهل كتاب كالمسلمين، وقالوا للمسلمين سنغلبكم كما غلب الفرس الروم. فاهتم المسلمون وأخبروا رسول الله فنزلت الآية الخ.
ولا أحسب إن اهتمام العرب بالأمر كان لهذا بل أحسب، والله أعلم، إن العرب قلقوا لغلبة الفرس على الشام وهي منقلبهم للتجارة، وقد ألفوا الروم فيها، واتصلوا بهم بالتجارة وغيرها واتخذوا من عامتهم وخاصتهم أصدقاء وأعواناً، وتجاراً يعاملونهم ويبايعونهم، فكان الروم أقرب إلى عرب الحجاز ومن يتصل بهم من قبائل الشام وفلسطين، وكان العرب بهم أعرف، وبينهم وبين الروم من الأسباب، ولهم فيهم من المنافع ما جعلهم يشفقون من غلبة الفرس على الشام، وزوال سلطان الروم عنها، ثم كان انهزام الروم انهزام حلفائهم وأنصارهم من عرب الشام ولهم بعرب الحجاز صلات.