للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

واللهفة إلى الوطن والخلان.

ونحن الآن نوازن بين القصيدتين المقررتين على طلاب التوجيهية في هذا العام موازنة تكشف عن نواحي الاتفاق ومناحي الاختلاف.

- ٢ -

ليس في القصيدتين وحدة، فكلتاهما ذات أغراض عدة، ولكنها مما يتداعى في خاطر الشاعر إذ يذكر وطنه ويحن إليه.

فالبارودي بدأ قصيدته بالشكوى، الشكوى من الفراق المؤلم المسقم الذي لا يخففه عطف المواسيات، حتى ليحسبن إنه مجنون لا يفيق، لأنهن يجهلن داءه، وما داؤه إلا تباريح الحب المهلك، ثم يتألم لأنه يكلف بحب من لا يهتمون بأمره، وكرر الشكوى من الأرق والوحدة حيث لا يجد صاحباً يبثه همه. قال:

ترحل من وادي الأراكة بالوجد ... فبات سقيما لا يعيد ولا يبدي

سقيماً تظل العائدات حوانيا ... عليه بإشفاق وإن كان لا يجدي

يخلن به مساً أصاب فؤاده ... وليس من مس سوى حرق الوجد

به علة - إن لم تصبها سلامة ... من الله - كادت نفس حاملها تردي

ومن عجب الأيام أني مولع ... بمن ليس يعنيه بكائي ولا سهدي

أبيت عليلاً في (سرنديب) ساهراً ... أعالج ما ألقاه من لوعتي وحدي

أدور بعيني لا أرى وجه صاحب ... يربع لصوتي، أو يرق لما أبدي

ولكن شوقي بدأ بدءاً آخر، فيتخيل حماماً ينوح بوادي الطلح، وناجاه بأن بلواهما متشابهة، لأن اليد العاتية التي طيرت الحمام من واديه هي اليد الغاشمة التي حرمت الشاعر من وطنه وأهله، وكلاهما في وادي الطلح غريب ضائق الصدر يحز الألم في نفسه، ولا ينفك يشتاق إلى وطنه ولكنه لا يستطيع الوصول إليه، وهذا الطائر صديق شوقي لأن الألم يربطهما، وهو دائم الحنين والذكرى لواديه والحزن على فراقه، قلق يتنقل من غصن إلى غصن في فتور واسترخاء باحثاً عن مواس ولكنه لا يجد، لأن لأمراض الجسوم أطباء ولكن إسقام الأرواح لا أساة لها، وشوقي يرمز إلى نفسه بهذا التصوير، وهذا بدء يلائم الحال النفسية للشاعر المبعد من وطنه، لأن الحمام من طبعه الحنين إلى وطنه وألفه،

<<  <  ج:
ص:  >  >>