نحو هذا الكتاب؛ يضعه في مستوى آثار روسو من حيث قيمته في ذاته ومن حيث أثره في نفسه. . .
وكثيراً ما كان الفتى يطيل التأمل في ساعات فراغه، أو عقب قرائه كتاباً من كتبه، وكثيراً ما كان يثبت تأملاته في كراسته فكان لهذه الكراسة بذلك خطرها كمصدر من مصادر تاريخ حياته.
وكان أول ما تأمل الفتى في الدين ولما يمض عليه في القوقاز غير أيام، ولم تكن هذه أول مرة يتجه فيها تأمله هذا الاتجاه، فقد سبقتها مرات ومرات؛ وقد أشرنا قبل إلى ما ذكره في مستهل كتابه (اعترافاتي) عن ذلك الصبي الذي تحدث إليه ذات مرة وهو في نحو العاشرة عن الله ووجوده، وكيف تلقى ذلك الحديث في اهتمام وأفضى به إلى أخوته. . . ومما ذكره كذلك في مستهل ذلك الكتاب قوله (لقد عمدت ونشأت على العقيدة المسيحية الأورثوذكسية؛ وقد عملت هذه العقيدة في طفولتي وطول أيام يفاعتي وشبابي؛ ولكني عندما تركت الجامعة وأنا يومئذ في الثامنة عشرة لم أعد أصدق شيئاً مما علمته. . . وقد ذهبت المعتقدات الدينية التي علمتها في صغري؛ ونظراً لأني منذ سن الخامسة عشرة بدأت أقرأ الآثار الفلسفية، فإن رفضي هذه المعتقدات كان أمراً شعورياً في سن مبكرة جداً؛ فمنذ سن السادسة عشر انقطع ذهابي إلى الكنيسة وانقطع صومي؛ ولم أصدق ما لقنت في طفولتي ولكني كنت أصدق شيئاً ما؛ أما ما هو ذلك الشيء فما كنت أستطيع وقتها أن أقول، لقد صدقت بالله أو على الأصح إني لم أنكر الله، ولكني لم أستطع أن أقول أي إله هذا، وكذلك لم أنكر المسيح ولا تعاليمه، ولكم مم كانت تتألف تلك التعاليم؛ ذلك أيضاً ما لم أكن أستطيع أن أقوله. . .
وإذا رجعت إلى تلك الحقبة من عمري أرى الآن في وضوح إن إيماني، إيماني الحقيقي الذي لم يكن لي غيره، ذلك الذي كان يحفز حياتي بصرف النظر عن غرائزي الحيوانية هو عقيدتي في بلوغ الكمال النفسي، ولكن مم يتألف هذا الكمال وما غرضه؟ ذلك ما لم أستطع أن أبينه، لقد حاولت أن أكمل نفسي عقلياً، فدرست كل ما استطعت أن أدرس، كل شيء ألقته الحياة في طريقي، وحاولت أن أكمل إرادتي فوضعت قواعد أخذت نفسي بإتباعها، وكملت نفسي من ناحية البدن قد دربت قوتي ونشاطي بكافة أنواع التمرينات، وعودت نفسي التحمل والصبر بكافة ضروب التقشف؛ واعتبرت كل أولئك وسائلي نحو