الكمال؛ وكان أول ما اتجهت إليه الكمال الأدبي ثم أعقب ذلك وحل محله الكمال من جميع الوجوه، أو الرغبة في أن أكون أحسن حالاً، لا في نظري فحسب ولا عند الله وحده، ولكن في نظر غيري من الناس. . . وسرعان ما اتجهت محاولاتي بعد ذلك إلى رغبة أخرى هي أن أكون أقوى من غيري وأبعد منهم صوتاً، وأعظم خطراً وأكثر ثراء. . .
هذا هو مبلغ اهتمام الفتى بالدين وكل ما هو من الدين بسبب منذ حداثته، أما اهتمامه به في القوقاز فنجد شاهداً عليه فيما أثبته هناك من تأملاته ومنها قوله بعد أن ذكر إنه لم ينل ليلته بسبب صلاته ونسكه لله (إذا أريد بالصلاة إنها استغفار أو شكران فإني إذاً لم أكن أصلي؛ بل إن رغبة كانت تتملكني نحو شيء طيب سام. أما عن كنه ذلك الشيء فذلك ما لا أستطيع تفسيره، ولو إنني أشعر شعوراً تاماً ماذا يكون ذلك الذي رغبت فيه؛ إن الذي رغبت فيه هو أن أذوب فأمتزج بذلك الجهور المحيط بكل شيء وأن أستغفره عن آثامي. . . لا، ليس هذا ما رغبت فيه لأني شعرت إذ منحني هذه اللحظة المباركة إنه بهذا منحني كذلك المغفرة).
والذي يستخلص مما كتبه تولستوي حتى هذه السن إنه لم يفقد الإيمان لحظة بقوة مطلقة في هذا الوجود، وكان مرد إيمانه إلى عاطفته وإن كان يشعر إنه لا يستطيع أن يصالح عليها عقله ومنطقه، فلقد كان شديد الشك في صورة العقيدة كما تضعها الكنيسة الأورثوذكسية الروسية، ولذلك عظم الصراع بين عاطفته وعقله. . . وتراه يتساءل ذات مرة في دفتره معتمداً على العقل والقياس قائلاً: حتى ولو إن الجسم والروح شيئان، وإن الجسم يلحقه الفناء، فماذا في ذلك من البرهان على فناء الروح؟ لقد رأيت الجسم يموت، وعلى ذلك أستخلص إن جسمي أنا سوف يموت، ولكن ليس في ما يريني إن روحي سوف تموت، وعلى ذلك فبناء على ما يقوم في فكري أقرر إنها خالدة).
وقال عن الصلاة في موضع آخر (هل الصلاة لازمة؟ وهل هي ذات فائدة؟ إن التجربة وحدها هي التي ترينا مدى ما يكون في ذلك من اقتناع. إني أصلي هكذا. رب نجني من السوء ومن الغواية أن أفعل السوء، وهب لي الخير أو هب لي القدرة على أن أعمل صالحاً؛ وسواء أكان خيراً أم كان شراً ما أعمل فإن مشيئتك هي النافذة).
وعاد يبحث عن الله في قوله (هل لي أن أنجح نجاحاً لأمرية فيه فأكون عن الله واضحة