تظهر فيه، وهذا امتياز كبير قل أن يتوفر اليوم في إنتاجنا القصصي عامة والمسرحي خاصة، فهو قصص عاطل من السمات والملامح المحلية حتى إن الناقد يبحث فيما يقرأ عن المؤلف والبيئة التي نشأ فيها قصصه والشخوص المفردة التي يعبر عن حياتها فلا يكاد يفوز - مهما جد - بطائل، فمن الممكن أن يقع بعد ألف عام أو قبل ألف، هنا أو في أي مكان من الأرض أو غيرها حيث يمكن أن يكون بشراً، فإذا ظفر الناقد بعد الكد بشيء من هذه السمات والملامح لم يجدها إلا حائلة حائرة مائعة، مع أن الخصائص أول شرط من شروط الإنتاج الأدبي عامة والقصصي خاصة، والخصائص في مسرحية الشريد بارزة لا في مشكلتها الكبرى وحوادثها وشخوصها الأساسية فحسب، بل في المشكلات الثانوية المنتثرة فيها دون قصد خاص إليها.
٣ - وقد جاءت هذه المسرحية في أبانها، فمشكلة الطفولة المشردة من مشكلاتنا القائمة بيننا الآن بكل متاعبها، وأعباؤها لا تزال تثقل كواهل كثير من أولي الأمر فينا في عدة وزارات، كما تشغل عقول كثير غيرهم من محبي الإصلاح ودعاته.
وعلى الرغم مما قرأته من بحوث متعددة لكثير ممن كتبوا في هذه المشكلة حكوميين وغير حكوميين - لم أستطع أن ألم بخفاياها وصعوباتها وطرق علاجها كما ألمت بها من هذه المسرحية فهي تصور أوضح تصوير حياة الأطفال المشردين بكل ما تزخر به من منغصات وأوجاع، وما يتعرضون له من استغلال الزعار والشطار لهم ليعيشوا فساداً في الأرض، والتخفي وراء براءتهم والشفقة عليهم للعبث بقوانين المجتمع ونظمه وحماته توقياً من العواقب الوخيمة، فهم يسخرونهم في السطو والاختلاس والتجارة المنكرة بالأغراض والسلع المحرمة؛ كي يضللوا حماة الأمن الذين لا يجدون في هؤلاء الأبالسة الصغار غير أطفال ملائكة أطهار جنى عليهم آباؤهم وحرمهم المجتمع عنايته دون ذنب، فهم لا يستحقون منهم إلا العطف والعون، مما يتيح لفساد محركيهم في الخفاء أن يستشري ويتسع دون أن يفطن إليه الموكلون بدرئه.
ولا شك إن صلة المؤلف بهذه المشكلة أهم عوامل نجاحه في تعرف حدودها وخفاياها وأساليب علاجها الميسورة.