أن الناس لا شك كانوا ينظرون إلى هذا على انه شيء غريب مضحك. . .
قلت: اجل. إن هذا قد يبدو لنا أمرا غريبا عجيبا لأننا تعودنا أن ننظر إلى الأدب على انه حرفة متميزة، لا يصح أن تقرن بحرفة أخرى، أصبحنا ننظر إلى الأديب على انه إنسان يعيش في عزلة عن دنيا الناس، فلا يصح منه ولا يليق به أن يسلك سبيلا في الحياة من سبل الناس، وهذا إسراف لا مبرر له، وإجحاف لا أنصاف فيه.
إن الأدب يا صاحبي ليس حرفة في ذاته، وان الأديب إذ يبتذل فنه في سبيل العيش يكون قد تدلى إلى اسفل، ونزل به إلى سوق التجارة، وإنما الأدب الهام وتضحية كما يقول تولستوي. وقد كان الجاحظ وهو أديب العربية يشتغل في أول حياته يبيع الخبز والسمك على نهر سيحان، وكان أبو هلال العسكري يبيع البز في الأسواق، وكان الخبز أر زي يصنع خبز الأرز، والحسين الجزار يشتغل جزاراً، وهناك عشرات أمثالهم من الأدباء والشعراء كانوا يعيشون من البيع والشراء في عروض التجارة وينتجون في الأدب ويقولون الشعر، فليكن يا صاحبي فينا الشاعر الطباخ والأديب الخباز والفنان النجار، فإن هذا لن يضير الأدباء ولن يغض من قيمة أدبهم، وإنما الانحطاط الأدبي إن يجعل الأديب من أدبه مادة تجارة لكسب الرغيف.
جائزة فؤاد للآداب
عرف قراء الرسالة مما نشرناه في العدد السابق أن الأستاذ الكبير معالي أحمد لطفي السيد باشا رئيس لجنة الفحص لجائزة فؤاد الأول للآداب قد أعلن في حفلة توزيع الجوائز بالجامعة إن اللجنة لم تستطع إنجاز مهمتها لضيق الوقت ولهذا رأت تأجيل منح الجائزة إلى العام القادم، ولكن بعض الصحف علقت بكلام كثير في هذا الشان وزعمت أن الأدباء الذين تقدموا لنيل الجائزة لم يستحق أحد منهم الفوز بها.
ولما كان صاحب (الرسالة) عضوا في لجنة الفحص، فقد سألناه كما سألنا غيره من الأعضاء عن الحقيقة فأكدوا لنا جميعا أن الحقيقة هي أن وقت اللجنة كان أضيق من أن يتسع للمفاضلة بين ما أرسلته إليها وزارة المعارف وقد بلغ حوالي مائة كتاب في أغراض مختلفة. وقد رأت اللجنة إن الأفضل أن تمنح الجائزة وقدرها ألف جنيه لتتويج مجموع إنتاج كاتب من الكتاب لا مكافأة كتاب من الكتب فتكون جائزة فؤاد على غرار جائزة نوبل