زرت الحديقة، ومشيت مع الناس أنظر كما ينظرون إلى أنواع الحيوان، وأرى فيهم أمثالها، ولكنها قد تلففت بالثياب، ففيهم أسد له بطشته وإن لم تكن له لبدته، وفيهم ثعلب له حيلته وإن لم تكن له فروته، ودب له غلظته، وحمار له غفلته، وطاووس له خيلته وذئب له عدوته، حتى وقفت على الأسد وهو يدور في قفصه متألما في صمت، صابرا في استكبار، كأنه النابغة من الناس حبسوه في (قفص) من وضيفة صغيرة، أو إفلاس شامل، أو قرية منقطعة، يلحظ الناس بطرف عينه يقول: آه، لو كنت طليقاً في البادية يا أيها أل. . . بشر! ورأيت الحارس يخرجه إلى متنزهه، إلى قفص الضيق، بعد القفر الواسع والفضاء الرحيب، يذله بعصاه، ويستطيل عليه بسوطه، كما يستطيل الفرنسي اللئيم على المغربي الكريم، ويذله بسيف العدوان وقوة السلطان، وسمعته يزأر مقيداً، كما يصيح المصلح في أمة أفسدها التقليد، فلا يفزع من زئيره إلا الصبية الصغار، ولو زأر عند العرين لخلع هذي القلوب وزلزلها حتى قفزت من حناجر أصحابها.
ووقفت على الفيل وقد تواضع، حتى غر الناس منه لينه فنسوا شدته، وهان على أحدهم حتى أركبه صبيته، وصرفه الفيال واتخذه لعبته، كما يطيع الرجل امرأته، فيضيع رجولته، ويفقد منزلته.
ووقفت على دبين متجاورين، أبيض كبير، قد اتخذوا له في قفصه من الجبس كهيئة الجليد، ووجهوا مسكنه إلى الشمال حتى يظل باردا لا تدخله الشمس، فيظنه موطنه، وموطنه هناك على حدود القطب الشمالي. . . ولكنهم لم يخدعوه، إنه ينظر فيرى قوماً لا يشبهون قومه، إذا لم تستعبدهم فئة قليلة منهم ولم تظلمهم باسم العدل، ولم تخرسهم حرية الكلام، ولم تملك دونهم كل شيء وتستمتع بكل متعة، بشريعة ماركس ودين لينين!
ودب أسمر صغير. . .
يدور الأبيض النهار كله، غضبان أسفاً لا يهدأ ولا يستريح فلا يصل إلى شئ، ويلعب الأسمر بكرة من الحديد، ويراوغ الحارس، ويضحك النظارة، كلاهما سجين ولكن هذا ينسى سجنه، وذاك يذكره أبداً، كالناس منهم من يذكر المصيبة، ويدنيها من خياله، فيراها أبداً أمامه، ومنهم من (يخادع نفسه في الحقائق) فتصفو له الحياة.
والأبيض على جمال شكله ونعومة جلده، ثقيل سمج، والأسمر على قبحه لطيف خفيف،