للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

لأن الجمال جمال الروح، لا جمال الجسد، فرب حسناء تنبو عنها القلوب، وغير ذات حسن تهواها الأفئدة، وتعلق بها العيون.

ووقفت على القردة، وهي تعيشن العمر كله مجلس لهو ولعب تقلد كما يقلد (قردة) البشر، ولكنها تقلد فيما تنفعها وهؤلاء يقلدون فيما يؤذيهم، وعلى الببغاء وهي تردد ما يقال بلا فهم، كهؤلاء الذين يعيدون علينا كل ما يقول الغربيون، وعلى الحيات وهن ناعمات الملمس، ناقعات السم، كالصديق المخادع، يخالك ليخاتلك. ويسقيك من قولة العسل وفيه من قبح مقصده الحنظل

ومررت على فئات الحيوانات على اختلاف أشكالها وألوانها، ومطامعها ومشاربها، من كل سائر أو سابح أو طائر، مما يحار بمخلبه ونابه، كالشجاع الأبي، وما يدافع بسمه كالنمام المفسد، وما يقاتل بثقل جسمه كثقال الروح من الناس والقنفذ وسلاحه شوكه كسليط اللسان، بذئ المنطق، والسلحفاة وسلاحها درعها كالمنطوي على نفسه، المعتصم بصمته، والطاووس وهو كالمرأة سلاحه جماله وحسن منظره. . . والذي يعيش في الماء نظيفاً مطهراً كالسمك، والذي يغسل في اليوم عشر مرات كالدب، والذي لا يطيب له العيش إلا في الأوساخ والقاذورات كالخنزير، يلغ فيها كما يلغ المغتاب في أعراض الناس، وينغمس انغماس الفاسق في حمأة الفجور، وسبع البحر وهو أعلاها صوتا، وأضخمها زئيراً وأقلها غناء، وأضعفها قوة، كالجبان الفخور، والجاهل المدعي، وما ينحط على فريسته من عل كالنسر، وما يأخذها قوة واقتداراً في وضح النهار كالأسد، وما يسلك إليها المسالك المظلمة، ويتسلل صامتاً خلال الحجارة وفي أصول الجدران كالحيات، وعلى الغزلان والعصافير، وهي أبهى الحيوان فلا يقف عليها أحد لكثرتها ويقفون على حيوان قبيح لأنه نادر لأن قيمة الشيء بندرته لا بمنفعته، ولولا ذلك لما كان الهواء أرخص شئ، والألماس أغلاه.

. . . حتى إذا مررت على طائفة من الحمير محشورة في زريبة، طائفة من حمير الشارع تأكل وتهز أذنابها، تتلفت ترقب العصا تنهال عليها كما يرقب الذليل المهانة، ويعجب إن افتقدها، فلما لم ترها وعرفت أنها في أمان منها بطرت بطر حديث النعمة، وترفعت ترفع اللئيم يسود في غفلة من الدهر، ونسيت ما كانت فيه كما ينسى غنى الحرب عهد الفقر، ويأنف من السيارة الفورد وكان لا يجد عربة الكارو، ويدخل أولاده المدارس الأجنبية وكان

<<  <  ج:
ص:  >  >>