فلو كان مبكي ساعة لبكيتها ... ولكن شر الغانيات بديل
وكنت صحيح القلب حتى أصابني ... من اللامعات المبرقات خبول
وأني لأعجب كثيرا من نساء العصر الأموي أن سكتن عن الأخطل وهو يعلن عليهن حرباً عواناً ويهيب بالرجال أن يبتعدوا عنهن وان يكفوا عن وصالهن إذ هن لا يبيتن لهم غير الحيلة والغواية وما هن إلا بلاء أبتلى به الرجال وغول يقض عليهم حياتهم.
وهن على أحبالهن يصدنني ... وهن باليا للرجال وغول
وإن امرءاً لا ينتهي عن غواية ... إذ ما اشتهتها نفسه لجهول)
هذه الحكمة يقدمها الأخطل لأبناء جنسه لا ترضى المرأة في أي عصر من العصور ولا في أي حال من الأحوال، إذ لا شك في أنها لعنة في الصميم من حياتها، فلو كف الرجال عنها وانتهوا لبارت وثقلت على أهليها ولأصبحت حياتها مملة خالية من الأمل لا يمكن أن تطاق. ويكشف لنا الأخطل عن ناحية خفية من نفسية المرأة فكأنه اطلع على خفايا هذه النفس ونفذ إلى قرارها، فعلى الرغم من بعد غور المرأة وكتمانها الشديد لدفائن قلبها لكنه استطاع أن ينفذ ببصيرته القوية إلى أعماقها وأن يستشف من وراء ظل حركة تأتيها معنى بعيداً لا يصل إليه إلا من عرف المرأة معرفة جيدة وإلا من ذاق منها مرارة العذاب والصد، فقوله:
المهديات لمن هوين مسبة ... والمحسنات لمن قلين مقالا
يدل على أنه عرف أساليبها الملتوية، تلك الأساليب التي تستعملها مع من تحب ومع من تكره، ويدل أيضاً على أنه قد درس هذه النفسية التي لا تريد إلا أن تريد أن تبطن غير ما تظهر وتظهر غير ما تبطن.
والأخطل لا يتحرج من وصف المرأة بالمكر والخديعة إذ يظهر أنها قد لعبت به كل ملعب وأذاقته من أحابيلها وحيلها ما جعله يفرغ ثورته المكبوتة ضدها بقوله:
ما إن رأيت كمكرهن إذا جرى ... فينا ولا كحبالهن حبالا
كما إنه لا يتحرج من وصفها بالجهل، ولكن أي جهل هذا الذي يصفها به، انه جهل أشد من العلم والذكاء فعلا وأقوى من المكر والثقافة تأثيراً، إنه جهل يرمي أقوى الرجال تحت