ورجل كهذا حري بالرثاء والعطف.
ويصف لنا الأخطل منظرا لا يخلو من ظرف ودعابة مع ما فيه من مرارة، منظر تلكم النسوة اللواتي اجتمعن يهمهمن ويهسهسن وقد علت وجوههن الكدرة وأصبن بالهم والحزن لدخول الأخطل عليهن وهو في حالة شيخوخة وتضمر وهزال فيقول:
ورأين أني قد علتني كبرة ... فالوجه فيه تضمر وسهوم
وطوين ثوب بشاشة أبلينه ... فلهن منك هساهس وهموم
وأخيرا بعد أن يئس الأخطل من وصل المرأة، وبعد أن عجز في هذا الميدان لا يريد إلا أن يبث الدعاية السيئة، ويأبى إلا أن يحرض الرجال في الابتعاد والكف عنها فيقول:
فدع الغواني والنشيد بذكرها ... واصرف لذكر مكارم ومقال
ولكني متأكد أنه لم يقل ذلك إلا بعد أن عجز عن جلب ودها إليه وإلا بعد أن خابت سياسته معها.
حاولت أن أجد الأسباب المبررة لهذا الموقف العدائي الذي يقفه الأخطل من المرأة فلم أجد سوى خبرين قد يمكن أن نستشف من ورائهما شيئاً عن ذلك العداء، أحدهما خبره أو قصته المشهورة مع زوجة أبيه تلك التي يقول فيها:
ألم على عتبات العجوز ... وشكوتها من غياث لمم
فظلت تنادي ألا ويلها ... وتلعن واللعن منها أمم
وقد كانت زوجة أبيه تناصبه العداء وتسئ معاملته وتؤثر أبناءها بالعطف والحب كما تؤثرهم بأطايب الطعام والشراب وتحرمه هو من كل ذلك؛ فلا شك أن هذه القسوة في المعاملة من زوجة أبيه قد أثرت في نفسه تأثيراً بالغاً وتركت في قلبه جروحاً لم تندمل فنقم على المرأة متمثلة في زوجة أبيه فأراد أن ينتقم منها فصور لنا ما رأيناه فيها من مساوئ ومعايب.
والخبر الثاني الذي يفسر لنا ثورة الأخطل على المرأة هو ما رواه صاحب الأغاني في الجزء السابع من كتابه قال: (طلق أعرابي امرأته فتزوجها الأخطل، وكان الأخطل قد طلق امرأته قبل ذلك، فبينما هي معه إذ ذكرت زوجها الأول فتنفست فقال الأخطل:
كلانا على هم يبيت كأنما ... بجنبيه من مس الفراش قروح