والأحقاب وجمعتنا بها عوامل لا انفصام لها ولا يمكن أن تعمل بها يد الدهر، مهما كانت قاسية: فالدين واحد، وهو الذي جمع الهندي والمغربي ويوغسلافي في صعيد واحد، وهو الذي وجههم جميعا إلى قبلة واحدة ووحدهم في عقيدة واحدة. والتاريخ قد جمعنا في السراء، فتنعمنا بأيام عزه وازدهاره، كما تحملنا آلامه واقتسمنا مرائره وشدائده.
أما الوضع الجغرافي فإنما هو سلسة واحدة متصلة الحلقات ابتدعتها يد الآلة متماسكة البناء. ممتدة من ضفاف البحر الأحمر إلى شواطئ المحيط الأطلسي، وهي وضعية اقتصادية وسياسية ممتازة قلما ظفرت بها أمةمن أمم الأرض.
أما العوامل النفسية التي كونها القرآن، ومتنت عراها تعاليم الإسلام، وصهرتها حوادث الأيام، فإننا نلمس آثارها في كل يوم، ونشاهد نتائجها عند كل حادث، فوقائع فلسطين، ومعارك الهند الصيني والهند الهولندية، تدمى قلوب المغاربة، كحوادث المغرب، والدار البيضاء عند شعوب الشرق الأدنى والأقصى. وقد نشا عن هذه العوامل الكثيرة المختلفة، عوامل سياسية ربطت مصير الأمم العربية بعضها ببعض، وجعلت سعادة البعض منها متوقفة على سعادة الكل، بحيث لا يطمئن لإحداها خاطر، ولا يقر لها قرار، ومهما نالت من أسباب السيادة والعزة، إذا كان البعض الآخر لا يزال أنينه يتردد صداه في انتحاء المعمورة، تحت وطأة الاستعمار الثقيلة.
هذه طائفة من الأسباب التي تربطنا بجامعة الأمم العربية، وتجعل مصيرنا مرتبطاً بمصير أخواتنا الشقيقات، بلاد الشرق العزيزة، فلنقالآن نظرة أخرى على ما يمكن أن يربطنا بالاتحاد الفرنسي من أسباب وما يمكن أن يجمعنا به من علائق ومصالح.
أما صلاتنا بهذا الاتحاد، أو بالأحرى، بالدولة المبتكرة له، فتبتدئ منذ نيف وثلاثين سنة. وإن نظرة عجلي على هذه الفترة من تاريخنا القومي كافية لبيان ما هية هذا الاتحاد، وشرح الأسس التي يراد بناءة عليها. فهي فترة مهولة، مليئة بالنار والدم والحديد، وبمعارك وحروب، وسجون ومناف، وأنواع من الإرهاق والعسف، لم يشهد لها التاريخ مثيلا حتى في العصور التي تسمى (مظلمة)!
هذه نظرة قصيرة على كلا الاتجاهين، وعلى الطريقين المقترحين أمامنا. فما الذي يختاره الشعب المغربي من ذلك: سبيل (الجامعة العربية) أم سبيل (الاتحاد الفرنسي) الجديد؟