للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وظل فيهن على هذا حتى ظهر الدين المسيحي فحرمت النصرانية البغاء تحريما مطلقا وجعلت من أهم أسس الكمال في الدين قهر الجسد وكبح الشهوات البدنية، ومنذ العهد الذي انتشرت فيه هذه تعاليم أخذ نجم البغايا في الأفول، وبدأ مجدهن في الزوال، فأرمت كنيسة المسيح بنبذهن من الاجتماع، فأقصين من المجالس، واضطهدن وحقرن، حتى غدون أحط من سقط المتاع وعند ما كانت الأوبئة كالطاعون والهواء الأصفر تتفشى في العالم أو تصيب الأمم نكبات ومجاعات كان الناس ينفون البغايا من البلاد ويرهقونهن بألوان العذاب ويذيقونهن شر الميتات ظنا منهم انهم بما يفعلون يلطفون غضب السماء.

ففي بعض البلاد كان الزواج محرما على البغايا، وفي بعضها كانت البغايا يعزلن في الحظائر شأن المواشي، وفي عهد البابا بولس الرابع أي في القرن السادس عشر كان الشبان الأشراف في إيطاليا يعدون التغاضي عن حرق منازل العهر عارا وفضيحة.

وفي مدينة تولوز في فرنسا كانت البغي التي تجرؤ على اجتياز عتبة أحد الأديرة تعد جانية فيقبض عليها وتلقى في السجن، ثم تساق للمحاكمة فيحكم عليها بأقسى عقوبة.

وفي مدينة بوكير من أعمال فرنسا أيضاً كان يفرض في كل عام على البغايا الجري عاريات في أحد الميادين إلى أن تنقطع أنفاسهن وتسكت دقات قلوبهن، وفي مدينة مانطو في إيطاليا كانوا يوجبون على البغي شراء ما تلمسه من الأشياء لدى مرورها في الأسواق بحجة إنها دنسته بلمسها ولوثته بيدها النجسة الذليلة وأفسدت تجارته على صاحبه. وفي هذه المدينة أيضاً كان يحتم على البغايا تعليق الجلاجل في أعناقهم عندما يطفن في المدينة أسوة بالمصابين بداء الجذام تنبيهاً للمارة كي يبتعدوا وتحذيرا لهم من العدوى.

هذا قليل من كثير مما كان يجري على البغايا في القرون الوسطى، ولكن عندما أخذ التمدين الحديث يتمشى في أنحاء العالم قل اضطهاد البغايا وأبيح لهن مخالطة الناس والظهور في المجتمعات والأندية والمجالس، بل عد البعض وجودهن من عوامل النهوض والارتقاء، وللبلوغ بالتمدين إلى أرقى درجات الكمال. السن هن اللواتي يبتدعن التأنق في المعيشة، ويطلقن الأزياء البديعة في العالم، ويروجن أسواق الحلي الغالية، والملابس الأنيقة، والمنسوجات الناعمة، والمطارف الثمنية، والمفروشات الفاخرة؟ أو لسن هن اللواتي يخرجن من خزائن الشيوخ الأشحاء ما اكتنزوه من تحف، وكدسوه من نفائس،

<<  <  ج:
ص:  >  >>