وهذا رجل منتفخ كأنه الديك الرومي، مزهو كالطاووسيقعد أمامك فلا يرضيه إلا يمتد ويبرز بطنه ويؤخر رأسه ويرفع رجله في وجهك، حتى يقابلك نعلها، ويكاد يمسك طرفها. . .
وهذا شيخ له عمامة وعذبه، لا يحب أن يذكر الله إلا على سبحة طويلة يرفعها بيده حتى يراها الناس كلهم، ولا يتمسك بسنة السواك إلا في الترام، فيخرجه من جيبه طويلاً ثخيناً، فيستاك به على أبشع هيئة ثم يعصره بإصبعه ويبصق على الأرض وإذا انتقده أحد نادى: يا ضيعة الدين، ويا بوار الأخلاق. . .
وهذا فصل آخر (يمثله) السائق، يقف في المحطة يشتري طبق الفول ورغيف الخبز، ويتباطأ بعدها في سيره ليأكله، حتى إذا وجد أنه تأخر وفاته الموعد، أسرع إسراع الجنون، ولم يمهل المرأة حتى تركب ولدها وتركب بعده، فيبقى الولد في الترام خائفاً يصيح ويبكي يكاد يلقي بنفسه، وأمه تعدو وراء الترام، والناس يصرخن من كل جانب. . .
وفي الترام دليل على طباع كل قطر، ونموذج من حياته، ففي الشام عراك على النزول والصعود، وتسابق فضيع إلى المقاعد لأن فيه شعباً حديث عهد بالجهاد والنضال، ولأن الترام له أول وله آخر، فالناس يركبون معاً وينزلون، وفي مصر تدور اكثر الترامات، دوران الثواني، وتكر كر الأيام، لا أول لها ولا آخر، والناس ينزلون ويصعدون في كل مكان، وفي مصر شعب وادع أنيس فإذا فرغ مقعد في الدرجة الأولى رأيت كلا يدعو الآخر إليه. والفرق في الشام وبيروت بين ركاب الدرجة الأولى والثانية قليل لا يكاد يظهر في زي ولا حديث، وهو في مصر ظاهر بين، لأن شعار مصر التفاوت في كل شيء فليس في الشام ساحله وداخله، أغنياء من الوزن الثقيل ولكن ليس فيه أيضاً إلا القليل من الفقراء المدقعين، وليس فيه علماء كبار جداً، ولكن ليس فيه أيضاً أميه طاغية، وجهالة منتشرة، أما مصر ففيها اشهد الغنى واشد الفقر، وفيها العلم والجهل، والقصور والأكواخ، بل إن فيها شارعاً واحداً في أوله الملاهي والمسارح فكأنك منه في باريس وفي أوسطه البنوك والمصارف، فكأنه من نيويورك، وآخره شارع من شوارع الرقة أو الميادين والترام في الشام هدف كل مظاهرة، وغاية كل إضراب، فإن كان للشعب احتجاج على الحكومة، كسر الترام، وإن كان للطلاب مطلب من المعارف احرقوا الترام، وإن شكا الناس من سوء