دي الوقت، الفلاحين هم أسياد البلد)! يقظة عجيبة، وكلام عظيم، وسيكون أعظم يوم يصير الفلاحون أسياد البلد حقاً، يوم لا يبقى في مصر شركة أجنبية، ولا مصرف أجنبي، يوم لا يبقى في مصر شحاذ مصري، يوم يكون المصريون أعلم من الأجانب وأنظف منهم وأحرص على الصحة وأفهم للحياة وأسبق إلى المغامرة، وسيجيء هذا اليوم قريباً بحول الله.
أيها السادة والسيدات.
إن الترام يكشف أخلاق الناس، وطبائع البلدان، وهو مدرسة يرى المرء فيها القبيح من جاره فيتركه، والحسن فيتعلمه ويستمع الملاحظ المدقق بعد هذا كله بفصول (الفلم) البشرى المعروض عليه
هذا فصل من الرواية: رفيقان يدعان الأمكنة الخالية، ويجلسان حولك هذا عن يمينك وهذا عن شمالك، ويتحدثان في أمورهما الخاصة بهما، من فوق رأسك، لا يحفلان بك ولا يباليانك، كأنما أنت كرسي أو متكأ أذنيك شباك يتكلمان منه. . .
وهذا فصل أخر: رجل طويل عريض، لا يطيب له أكل (بذر البطيخ) إلا في الترام، فلا يزال يقضمه بأسنانه، ويقذف قشره بلسانه، فإن لم يصب به الناس، آذاهم بقبح منظره، وسوء أدبه. . .
وهذا رجل يأتيك من خلفك وأنت واقف في زاوية الترام، يرجوك أن تفسح له ليمر، فإذا انزحت له اخذ مكانك وتركك حائراً لا تدري أين تقف!
وهذا عامل بثيابه الملوثة بالزيت المعدني، أو الملطخة بالطين يحك بك وأنت بثيابك البيض فلا يدعك حتى ينقل إليك زيته وطينه، فان تكلمت قال: ليه؟ هو إحنا مش بني آدم!
وهذه امرأة ضخمة عريضة القفا، تصعد ومعها ولد على ظهرها، وولد تسحبه بيدها، وسلة كبيرة فيها سمك وبصل وكراث، فتقعد على الارض، فتشغل مكاناً كان يقف فيه عشرة رجال، ثم لا تزال تسب هذا لأنه داس على ثوبها، وتشتم ذاك لأنه مس ولدها.
وهذا عجوز ثرثار لا يفتأ الطريق كله، يذم هذا الشعب لأنه لم يتعلم النزول من مقدم الترام، والركوب من آخره ويعجب من جهلة وقلة تربيته، ولا يزال كذلك حتى يصل إلى محطته، فينسى محاضرته الطويلة، وينزل من خلف لا من قدام