مملوءة بالناس، والى جنبها النساء فارغة مفتوحاً بابها فنظر الناس إليها معجبين، ثم ردوا أبصارهم عنها منكرين، فقالت:(ما فيكم واحد مؤدب، يقوم للست يا عيب الشوم).
فقال لها أحد الحاضرين (تفضلي، هذه غرفة النساء خالية) فنفضت يدها في وجوهنا، وقالت:
- أنتم (متأخرين) كثير، (متوحشين) ما تعلمتم التمدن.
ورأيت مرة شابين دخلا علي غرفة الترام، يلبسان أردية بلا أردان، وسراويل تكشف السيقان، فألقى أحدهم بنفسه على المقعد فاضطجع اضطجاع العروس على سريرها، ورفع الثاني رجلاً فوق الرجل فعل الراقصة على مسرحها، ثم تحدثا حديثاً مخلوطاً فيه العامية والفرنسية والإنكليزية، بالضحكات الخليعة والإشارات المخنثة، تحدثا في الأدب، فكان من رأيهما أن الزيات والعقاد والمازني تحتاج كتاباتهم إلى ترجمان، لصعوبتها وأنها لا تفهم بلا قاموس، ثم ذكرا الامتحان والدروس، ومع الحب والغرام، وأماكن اللهو والتسلية. . . حتى إني لم اعد أطيق الصبر فنزلت وركبت تراماً أخر. . .
هذان مثالان لطبقة من نسائنا ورجالنا، يبديها الترام إن أخفتها البيوت، طبقة هي في الأمة كالديناميت في البناء، والسم في الجسم، والقذى في العين، وهي وان تكن نادرة فينا، ولم تكن تخلو أمة من مثلها - لا ينبغي للمصلحين منا أن يغفلوا عنها، ويهملوا إصلاحها، لأننا أمة تستعيد اليوم حريتها، وتبدأ جهادهاوتسعى لتصل ما انقطع من أمجادها، ولا ينال المجد إلا بشاب أولي خلق وعلم، ونساء أولات عقل وعفاف.
ولكن في الترام، في مقابل هذه الصور التي لم تؤلم وتسوء صوراً تسر وتفرح، لقيت فيه أمس فلاحاً من فلاحي مصر بجلبابه و (طاقيته) وزيه، وكان معي صديق يتكلم في الجلاء عن مصر، وفي جامعة الدول العربية، فاندفع والله هذا الفلاح في حديث عن السياسة والنزاع بين الدول الكبرى، وموقف هذا الشرق الأدنى، وما يتوقع له، وفصل القول في حالة مصر والشام والعراق والمغرب والحجاز واليمن، فكانت محاضرة مرتجلة استمرت اكثر من نصف ساعة، مشى فيها الترام من الفسطاط إلى شبرا، ولو أن سياسياً دعا الناس إلى أفخم ناد من النوادي، فألقى عليهم مثلها لخرجوا معجبين.
ولقيت في الترام فلاحاً آخر، مر به جابي الترام فناداه، (ياأفندي) فقال له: (ما فيش أفندية