الماضية لكي تسترجع مقامها كدولة استعمارية. ولقد برهنت تجارب اكثر من قرن على تعذر تحقيق السيادة البحرية لفرنسا وكان ضياع المستعمرات البعيدة في أميركا والهند كافياً لإقناع الفرنسيين أنه بغير أسطول قوي لا يمكن ضمان الدفاع عنهاأمام القوة البحرية برغم جهود القواد والحكام وعبقريتهم. فكان مما فكر فيه نابليون أن يختصر الطريق البحري الذي يفصل فرنسا عن الأراضي التي تخضع لها، فقاد حملة مصر مؤملاً أن يجعل منها قاعدة للتوسع الاستعماري الفرنسي بالمشرق، وكانت بريطانيا تعرف إن هذه الضربة موجهة إليها في الهند فوقفت أمامه وقطعت الطريق البحري عليه وأجبرت جيشه على الجلاء، فالحملة الفرنسية هذه على مصر كانت مدرسة وتجربة برهنت على أن الفن الحربي الحديث قد جعل من السهل التغلب على جيوش المسلمين في أراضيهم، ثم فتحت الأذهان إلى استعمار الجزء الأفريقي المقابل لأوربا، فهي فاتحةالاستعمار الفرنسي في القرن التاسع عشر.
ولا ننس إن فرنسا حينما ألجئت إلى إخلاء مصر كانت تفكر في العودة إليها وتأسيس الإمبراطورية الاستعماريةعن طريق البر إن أمكن، أو قل على الرمال التي أراد أن يسير عليها لويس التاسع لفتح مصر فلقي حتفه في تونس، ولذلك اتجهت أنظار رجالها إلى بقعة من الساحل الأفريقي تكون أقرب إليه وأبعد عن إثارة شكوك ومخاوف بريطانيا فلم تجد اقرب إليها من الساحل المغربي بالجزائر إذ هو اسهل طريق للعبور إلى أفريقيا وأسلم ما يصلح لاتخاذ مرافئه مثلالجزائر ووهران وغيرها كرؤوس جسر للزحف إلى الداخل، وقد خدمتها الظروف حينما اشتد العداء بين مصر وتركيا فانقسم الشرق على نفسه وخلا لها الجو في الجهة التي تطمعبامتلاكها. حينئذ قذفت بجيوشها بين ١٨٣٠ و ١٨٤٧ على القطر الجزائري في الوقت الذي كانت جيوش مصر وتركيا تتقاتل فيما بينها قتالاً كانت نتيجة أن انتهى بالفشل للجانبين، بينما اندفعت هي بقوة لترسيخ أقدام جنودها على الأرض الأفريقية التي حملت أعلام دول الموحدين والمرابطين وكانت في وقت ما موئلا للعروبة والإسلام. فأخذت تحارب أهلها وتشتتهم. ولما انتهت حروب الأتراك والمصريين لم يكن بوسع أحد الطرفين أن يمد يد المساعدة أو يجهر بالدعوة لنصرة المجاهدين من قبائل الجزائر المدافعين عن بلادهم، فكان أن سلم الأمير عبد القادر للفرنسيين، وإذا نحن أمام أول هزيمة