قضي الشاعر أربع سنوات في دار العلوم وتخرج منها في سنة ١٨٩٦ متوجاً بالنجاح، فنجا من قيود الدراسة التعليمية، وهي كما نعلم - محصورة في علوم خاصة ومناهج محددة، قد لا يكون للشاعر في بعضها رغبة ملحة أو حاجة ماسة، أما الآن فهو حر فيما يقرأ ويدع، وهنا نجد عبد المطلب قد عكف على الكتب الأدبية القديمة يستخلص لبابها ويستظهر أشعارها، ويروى أخبارها، ومن حفظه أن عين مدرساً بمدرسة سوهاج الابتدائية وبها يومئذ صفوة مختارة من عشاق الأدب ورواد المعرفة، أذكر منهم المرحومين الأستاذ عبد الرحمن قراعه، وعبد الله بك الطوير وعلى بك الكيلاني، فنشأت بينهم وبين الشاعر صداقة وليدة تعهدها الأدب بمائه العذب حتى غدت دوحة مورقة وارفة فكانوا يعقدون مجالس السمر الأدبي حافلة بالنادرة الطريفة والملحة البارعة، فإذا جاء دور الشعر فمحمد روايته الفذ وصناجته الحكيم، وكثيرا ما يقترحونعليه أن ينظم في معنى معين فيتحفهم بما يريدون مستعينا ببديهته المواتية وقريحته المتوقدة، وكان الشيخ قراعة أحبهم إلى قلب شاعرنا المجيد، وانك لتجد في ديوانه قصائد عديدة ممتازة قالها في صديقه الوفي تنطق بالود الخالص، وتنبئ عن الحب الأكيد!. .
ولقد نظم الشاعر في هذا العهد طائفة محمودة من الشعر السهل الواضح تتناسب مع تلامذته في المدرسة الابتدائية، فجذبهم إلى الشعر يتذوقونه ويحفظونه بعد إن كانوا لا يجدون منه غير المغلق المستعصي على مداركهم الناشئة مما خلف الأولون، فكان عبد المطلب بهذا أول من خط الصحيفة الأولى في كتاب الشعر المدرسي في وقت صدف فيه التلاميذ عن كل ما يتصل إلى العربية بسبب. وانك لتقرأ أبياته في ذلك، فتراها جليلة الغرض، رائعة المغزى، سهلة التناول، سلسة النسج كأن يقول
إن كنت تبغي المعالي ... فالعلم أهدى سبيلا
فأحقر الناس من قد ... طوى الحياة جهولا
تراه بالجهل يمشى ... بين الأنام ذليلا
نحن الذين اتخذنا ... نور العلوم دليلا
لعلنا في المعالي ... بها نجر الذيولا
وهو لا يكتفي بحثهم على العلم في هذا النسق الجميل، بل بجذبهم إلى الأدب بنوع خاص