عندما يتناول القارئ قطعة للأستاذ الجليل أحمد حسن الزيات يحسب أن أمه كبيرة تقمصت فردا واحدا؛ فكان ما ينفحنا به قلمه يمثل لنا أن جماعة عديدة من أمراء الكتاب وقادتهم، يعملون الفكر، ويسدون المنهج لإخراج الكلمة، فيقدرون لكل عبارة قدرا، ولا ينشرون حرفا قبل أن يعرضوه على مقاييس محكمة من فصاحة في اللفظ، وبلاغة في المعنى، وشمل للحقائق؛ أما القطعة التي سبقت الإشارة إليها من كتاب دفاع عن البلاغة صفحة ٧٢ فقد خرجت عن طريقة الزيات إلى طريقة من لا أدري.
فهل تجيز أيها الأستاذ العقاد - شملنا الله بعدلك - قوله إن بلاغة التوراة والإنجيل في العبرية لا مساغ للشك فيها. ولكنك تقراهما في العربية فلا تجد أثرا لهذه البلاغة؛ ذلك لأن الذين ترجموها إلى لغة القران لم يكن لهم بآدابها علم. . .؟
أفلم يكن للشيخ إبراهيم اليازجي علم بآداب اللغة العربية؟ أو ليست أسفار العهد القديم والعهد الجديد، المنسوبة إلى الآباء اليسوعيين في بيروت، من تعريب الشيخ إبراهيم اليازجي؟ فقد نشرت خبر ذلك مجلة الأجيال الجزء الثاني من السنة الثانية؛ ونشرته جريدة الأيام التي كانت تطبع في نيويورك في العدد الصادر بتاريخ ١٦ شباط سنة ١٨٩٩؛ ونشريه جريدة البشير في العدد الصادر بتاريخ ١٦ حزيران سنه ١٨٨١؛ وأعادت نشرة مجلة الضياء في أربع صفحات بتاريخ ١٥ إبريل سنة ١٨٩٩؛ وذكرته الكتب المدرسية المعنية بتاريخ الآداب العربية.
ومما يشهد به التاريخ أيضاً أن فارس الشدياق قد ترجم العهدين الجديد والعتيق بعناية الجمعية الإنجليزية ونفقتها؛ وطبع العهد الجديد عن هذه الترجمة سنة ١٨٥١ - ثم طبع العهدان أيضاً سنه ١٨٥٧ وذلك في مدينة لندن.
أما النسخة التي قام بترجمتها مرسلو الأمير كان في بيروت فقد وقف عليها المعلم بطرس البستاني وكرنيليوس فإن ديك. (ومن الذين كان الاعتماد عليهم في ضبط الترجمة على قواعد اللغة العربية وفصاحتها الشيخ ناصيف اليازجي اللبناني والشيخ يوسف الأسير الأزهري.) راجع كتاب مرشد الطالبين صفحة ٢٧ - المطبعة الأمريكية بيروت.
فهؤلاء جميعا كانوا ومازالوا يعدون من أولى العرفان الراسخين في علوم العربية وآدابها.
فنرجوا منك ليها الأستاذ العقاد ان تكشف لنا عن هذه الحقيقة وتعلل قول الأستاذ الزيات