للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فهويذ كرما للمؤلف وما عليه، ويقدره بميزاته الصحيح فيقول (إنه فليسوف آثر أن يهمل منهج العقل الذي هو منهج التحليل والتركيب ويأخذ بمنهج التصوير العاطفي والرمز والإشارة والاعتماد على أساليب الخيال في التعبير. ولهذا لا أرى من الصواب إن نصف مذهبه بأنه مذهب فلسفي بحت إذا اعتبرنا التفكير والترابط المنطقي أخص صفات الفلسفة، ولا بأنه مذهب صوفي بحت إذا اعتبرنا الوجدان والكشف أخص ميزات التصوف، ولكنه مذهب فلسفي صوفي معاً، جمع فيه بين وحدة التفكير وقوة الوجدان) ولم ينس الأستاذ أن يشير إلى الكلام ناقديه بل مفكريه، ولا أن يشير إلى كلام المدافعين عنه والمتأولين لأحاجيه وألغازه، ولكنه كان اقرب إلى جانب الرضا منه إلى جانب السخط، ولو لم يكن كذلك لقال يه كما قال الذهبي انه (انعزل وجاع وفتح عليه بأشياء امتزجت بعالم الخيال والخطرات والفكرة وأستحكم ذلك حتى شاهد بقوة الخيال أشياء ظنها موجودة في الخارج، وسمع من طيش دماغه خطاباً اعتقده من الله. ولا وجود لذلك أبداً في الخارج).

وقد صدق الذهبي كما صدق الدكتور أبو العلا. ولكن الذهبي كان في صدقه اقرب إلى جانب السخط منه إلى جانب الرضا. ولا بد من الموازنة بين الجانبين.

ونحن مع اعتقادنا إن ابن عربي لم يكن بالفيلسوف المحض ولم يكن بالتصرف المحض، ومع إعجابنا ببعض سبحانه الروحية وشعورنا يصدق ما وصف به من طيش الدماغ - نعود فنقول إن الفلاسفة المتجردين للفلسفة في هذا الزمان لم يبلغوا فوق مبلغه من التفرقة بين اله العبادات وإله الحقيقة المجردة، وليس رأي (برادلي) الذي يعرفه الدكتور عفيفي جيد المعرفة من جملة أقواله في التفرقة بين الحقائق والمظاهر إلا صورة جديدة من رأي ابن عربي في هذا الكتاب بعينه وهو كتاب الفصوص.

ومهما يمكن شان ابن عربي بين الإعجاب والانتقاص فالحقيقة التي لا مراء فيها أن مذهبه مذهب يدرسه الباحثون ولكنه لا يصلح لجمهرة المتدينين. وحسبك أن رجلاً مثل ابن خلدون في سماحة عقله وسمة نظرة يقول بإحراق كتبه وكتب أمثاله ومحو أعيانها دفعاً للمفسدة. واحسبه لو عاد إلى مصر في هذه الأيام لما نجا من شدة المصريين في المحافظة، ولا جرم من عطف الفكاهة المصرية. فقد أوشك قديماً أن يقتل في مصر لو لم ينقذه الشيخ أبو الحسن الجائي الذي أبت عليه سليقة النكتة أن ينقذه من لذعاتها. فسأله: كيف يحبس من

<<  <  ج:
ص:  >  >>