حل منه اللاهوت في الناسوت! فقال الرجل وهو لا يصدق بالنجاة: يا سيدي! قلت شطحات في محل السكر. ولا عتب على سكران!)
وليس العصر عصر إحراق الكتب أو تفنيدها بلغة النار والماء؛ ولكنه العصر الذي يحاسب الكاتب بحساب النقد والبرهان. ومتى حوسب ابن عربي بهذا الحساب ففيه ما يهمل إهمالا كالإحراق والإغراق، وفيه ما يفيد ويمتع العقول والقرائح. وخير ما يفيد من هذا الكتاب تفسيره لوحدة الوجود؛ لأنه اصلح من تفسيرات أخواته في هذه العقيدة ممن يقولون بتأليه الكون في جميع مظاهره المادية. فليس الوجود عنده إلا الوجود الحق الذي تحجبه هذه المظاهر المادية، وهو بهذا يقترب كل الاقتراب من عقيدة التوحيد.
٢ - الوجود:
والكتاب الثاني الذي سماه السيد أبو الفيض المنوفي (بالوجود) هو الزم الكتب لمن يتوخى البحث العصري في وحدة الوجود وفي حقيقة الوجود على الإجمال.
وهو كتاب مدروس أو (مخدوم) كما يقال في اصطلاح المؤلفين. لم يصدر باللغة العربية كتاب يحوي ما حواه في هذا الموضوع، ولم يكن معول المؤلف فيه على المراجع العربية وحدها بل لعل اعتماده على مراجع الفلسفة الأوربية بين قديمها وحديثها أظهر من اعتماده على مراجعنا المعهودة. لأنه قصد فيه إلى إقناع المحدثين الذين يلهجون بفلسفة العصر وأساليبه ويعرضون عن القديم لقدمه من غير بحث فيه ولا اطلاع عليه.
وأجمل ما في الكتاب - وليس هو بالنسق النادر فيه - كلامه عن عالم العناصر الذي هو العالم البرزخي بين المادة والقوة، فمن هذا العالم البرزخي نتحقق (أن الشيء المنظور يتحول إلى غير المنظور ويصبح هو والفكر والروح في الخفاء سواسية. . . ولا نظن أنه يوجد فرق بين النور والقوة ألا في الألفاظ؛ لأن الطاقة يستوي فيها أن تكون إشعاعا أو حركة أو حرارة أو مغناطيس أو كهرباء أو غير ذلك، ولا فرق أيضا بين الحرارة والنور المنظور والنور غير المنظور ألا في طول الموجات وقصرها).
ومصدر الوجود كله على هذا النحو هو النور، ثم النور الإلهي وهو نشاط محض. ولا فرق بين الوجود والعدم ألا في خاصة (النشاط) الذي لا يقاس دائماً بمقياس المحسوسات. بل يتعداها إلى ما وراء الحس والعقل والخيال. . .