الحكم والظفر، وهكذا كان الرجل يفتقر إلى مقطوعات من أدب المرأة تعمر بها جهاته وتكفكف غلواءه؛ فلقد وجدت السيدة زبيدة زوج الرشيد لزاما عليها أن توصي علي بن عيسى وقد أمره الأمين بالشخوص لقتال المأمون بالوصية التالية التي تعتبر وثيقة خطيرة في السياسة فضلا عن كونها قطعة رائعة من الأدب فتقول له:(يا علي، إن أمير المؤمنين وإن كان ولدي وإليه انتهت شفقتي، فإني على المأمون منعطفة مشفقة لما يحدث عليه من مكروه وأذى، وإنما ولدي ملك نافس أخاه في سلطانه فاعرف لعبد الله - المأمون - حق ولادته واخوته ولا تجبهه بالكلام فإنك لست نظيراً له، ولا تقتسره إقتسار العبيد، ولا توهنه بقيد أو غل، ولا تمنع عنه جارية أو خادماً، ولا تعنف عليه في السير، ولا تسايره في المسير، ولا تركب قبله، وخذ بركابه إذا ركب، وإذا شتمك فاحتمل منه).
بهذا القدر من الحدود وضعت السيدة زبيدة قائد جيش ولدها الأمين الذاهب لمقاتلة المأمون غريمة على العرش. . . وبهذا الخطاب الرائع كبحت سورة نفسه وأعلنت أدبها المتجاوب الأجزاء المتماسك الاطراف، واعربت عن سموه. بهذا الأمر السامي أثبتت إن أدب المرأة للعقل لا للعاطفة، وانه صادق في الأنباء، وبهذه الوصية الدقيقة المحددة وضعت سياسة العقيدة التي تدين بها بقولها (وان كان ولدى، واليه انتهت شفقتى، فإني على عبد الله منعطفة مشفقة لما يحدث عليه من مكروه. . .
وليست السيدة زبيدة وحدها ذات المقام المرموق في السياسة والأدب، ولا عقيلات الخلائف أو بنات القصور، بل قد يتوفر هذا الضرب من الكلام الحكيم والرأي الثاقب في فتاة من عامة الناس لا صلة لها ببلاط الملك ولا سلطان الحكم مما يؤيد أن المسألة إنما هي أدب المرأة على أشد ما يكون الإطلاق شمولا.
قصة امرأة من الخوارج أرسلت أسيرة للحجاج بها وهي تعرف من ستقابل، وقيل لها وهي في طريقها إليه: (أي أم علقمة والله لو وافقته في المذهب لنجوت من أذاه) فقالت: (قد ضللت إذا وما أنا من المهتدين).
وجاءت ديوان الحجاج وقد استحال كل ما فيه إلى وجوم، ووقفت وهو جالس فأنتهرها قائلاً:(لقد خبطت الناس بسيفك يا عدوة الله خبط العشواء). فقالت:(لقد خفت الله خوفاً صيرك في عيني أصغر من ذباب) وكانت منكسة. فقال:(ارفعي رأسك وانظري إلى)