يحقق خلوه من الرطوبة (عب الندى)، وآخر ينظر في النظافة عموما، كما يفعل جمهرة الأدباء وصفوة النقاد حين يطالعهم بديوانه شاعر، أو ينشر كتابه ناثر، فكل وذوقه، وكل وما يستسيغ من المعاني، فيرهفون أقلامهم بما يعن لكل منهم، وكل يؤدي أمانته.
بل ان اليوم الواحد في موسم (الجني) ليمثل رواية كاملة للدنيا. فمن جد للسعي، إلى تشعب للعمل، إلى تنافس فيه، إلى اختلاف في النظر والمذاهب، إلى وضع لنظريات الحياة، فينما فريق يجمع بكلتا يديه ما تصلان إليه ايا كان نوعه، إلى فريق ينتقي ويدقق عن يقين بماله ونتائج سعيه، فالأولون يفرحون بالكم، والآخرون يدخرون النوع والدرجة شفيعا إذا نقصت الموازين. في نهاية اليوم ما يشبه تصفية الحياة، والنظر في صحيفتها، فمن مقل مجيد، إلى مكثر مسيء، إلى سابق بالخيرات.
ثم ما هي إلا لحظات حتى لا ترى للازدحام أثراً، وينصرف كل بما افاد، ويتفرق الجمع إلى مختلف الجهات، وتمر أيام قليلة فتجعل من تلك البقاع التي تشبه المناجم الغنية، أحطاباً سمراء مهجورة، ثم تحيلها الأيام هشيما تذروه الرياح، وكان الله على كل شيء مقتدرا.