للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وهي نفوس تعالت وتعززت فنشأت في الدنيا ألفاظ العلو والعزة وهي نفوس صفت وصرحت، وما صفاء سواها وصراحتها إلا كدر ولبس - إذا كان لهذه النفوس فضل على لغتها إذ كانت منجمها الذي نشأت منه بدت فلهذه اللغة البينة المحكمة فضل على تلك النفوس، فقد أعطى بيان اللغة وإحكامها أهل اللغة ما أخذته منهم، وقد احسن الألماس المشع إلى منجمه، فهذا كون ذاك، وذاك نور هذا.

وإن العربية لو لم تكن الإبداع كله ولو لم تكن الجمال الأجمل، ولو لم تكن اللغة المصطفاة، ولو لم تك لغة عجبا، ما اختارها الدهر لقرآنها و (الله اعلم حيث يجعل رسالته) ولم تستطع ألفاظها الاستقلال بمعانيه، وكل معنى فيه يأبى أن ينزل إلا في اكرم لفظ، وكل مقصد من مقاصده لا يقبل إلا اعجب أسلوب. ولن ينزل أهل السماء إلا في ذروة العلياء. و (الكتاب) - وان علا - حتى أظل (سدرة المنتهى) قد أدناه وقد جلاه نور بيانه حتى أرانا إياه، والشمس قد علت وقد ابتعدت، وهل يحي وهل يضئ هذي الأرض إلا الشمس.

ويقول النشاشيبي في رثاء كبير عراقي في خطبة:

قالوا: ابكه وإلا غضبت عليك عربيتك.

أعوذ بمحمد، أعوذ بالعربية من غضب العربية.

وهي لي في حياتي ومماتي إلا هي؟

وهل معتصمي وشرفي ومجدي في الوجود غير عربيتي؟

وهل سموت وكرمت عند العظماء وعند الفضلا وعند الملوك إلا بها؟

أنا لا اشتري برضاها هذي الدنيا بحذافيرها (استغفر الله) ولا الآخرة.

أعوذ بالعربية من غضب العربية.

أنا خادمها، أنا اعبدها، أنا عبد لغتها، أنا عبد قرآنها، أنا عبد محمدها.

أنا سيد لكل حر سيد بهذه العبودية.

أعوذ بالعربية من غضب العربية.

وقد شاء في هذا الشهر حضرة صاحب الفخامة رئيس الجمهورية اللبنانية (الشيخ بشارة الخوري) ووزيره الأكبر حضرة صاحب الدولة الأستاذ (رياض الصلح) وحكومته، وحضرة أمير النثر والناثرين وسيد البلغاء صاحب (الرسالة) الأستاذ (أحمد حسن الزيات)

<<  <  ج:
ص:  >  >>