للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

حتى إذا زال عنها سلطان العرب السياسي حافظت هي على تراث العرب الروحي: الإسلام وتعاليم الإسلام، فكانت تستقل بشئون نفسها حينا، ويحتلها فاتح جديد أحياناً. حتى كان أواخر القرن العاشر الهجري، فاحتلها العثمانيون في عهد (مراد الثالث) وهنا بدأت صفحة جديدة من تاريخ هذه البلاد، فقد نبه احتلال العثمانيون لها أطماع الروسيين من الشمال، وحفز الإيرانيين من الجنوب، فصارت مثار أطماع هذه الدول الثلاث، فكانت تحتلها هذه الفترة، وتلك فترة أخرى.

وهكذا إلى سنة ١٢٣٢هـ - ١٨١٦ م حيث تنازل الإيرانيون عن كل حق لهم بهذه البلاد وحكمها للروسيين، واحتلها هؤلاء.

اثر هذا الاحتلال الجديد في أهل البلاد:

وكان طبيعيا أن يكون لهذا الفاتح الجديد أثره وتأثيره في البلاد وأهل البلاد، فأخذ يتودد إلى الأهالي ويستميلهم بكل ما بوسعته الحيلة من ترغيب وترهيب، ويظهر أن سياسة الترغيب هذه لقيت نجاحا إلى حد ما، وقد صور الشيخ محمد طاهر القراخي الداغستاني هذه الفترة تصويرا دقيقا إذ يقول:

(وفي هذه الآونة - حوالي سنة ١٢٤٠ هـ (١٨٢٤) - زاد اتصال الأهالي الداغستانيين بمستعمريهم طمعا فيما يملكونه من مال وسلطان، أو يمنحونه من قلادة أو وسام. وكان من أول نتائج هذا الاتصال أن ابتعد المسلمون شيئا فشيئا عن أحكام دينهم الذي اشربوا حبه، وتغلغل في أعماقهم، ونسوا أوامره ونواهيه واصبحوا مسلمين بأسمائهم فقط. وكانت البلاد في هذه الفترة خالية من العلماء العاملين، والمرشدين المخلصين الذين يحسنون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

فانتهز هذه الفرصة بعض الجهال المتزيين بزي العلماء، وعلى الخصوص قضاة وحكام منطقة (الزكستان) واخذوا يتصلون بالجماهير ليلقوا في نفوسهم إن سياسة الحكومة القيصرية، واستعمارهم لبلادهم - ولعلهم كانوا يعتقدون ذلك؛ - هو عين العدل والإنصاف!!.

وكان لعمل هذه الطائفة أثره الكبير في وسط الجماهير من المسلمين، فازدادت صلاتهم بالمستعمر، واخذوا يرسلون شبانهم ليقوموا ببعض الوظائف والأعمال والدواوين الروسية،

<<  <  ج:
ص:  >  >>