المخلص لأستاذه وقائده. ولما حاصر الروسيون الغازي محمد الكمراوي وأصحابه في قرية (كمرا) في يوم الاثنين الثالث من جمادي الآخرة سنة ١٢٤٨ هـ (٢٨ أكتوبر سنة ١٨٣٢ م) كان (شامل) مع الذين لازموه، ودخلوا معه أحد المنازل في القرية وتحصنوا في داخله، فلما اشتد الحصار، وضيق الروسيون الخناق قام الغازي محمد، وقذف بنفسه على الروسيين، وقاتل حتى قتل أمام باب ذلك المنزل وسيفه في يده. ورأى (شامل) استشهاد قائده، فقام في رفاقه خطيبا، وقال ما مؤداه:(إذا كان الغازي محمد وقع شهيدا، فلا ينبغي لنا أن نضيع وقتنا بالبكاء عليه؛ ولعلنا نسير في الطريق التي سار فيها ونلحق به. . . . . . إن حور الجنة ينتظرن ذهابنا إليهن شهداء أبرارا. فبدلا من أن نموت كما يموت الجبناء في مكان مغلق مسدد نخرج ونقاتل حتى تأتينا الشهادة، ونموت كراما). ثم شديدة على حسامه، ورفع صوته بكلمة التوحيد - لا اله إلا الله - وقذف بنفسه إلى حيث الموت الشريف، أو الحياة الكريمة، وقاتل (شامل) قتال المؤمن الموقن بما عند الله للمجاهدين من إحدى الجنسين. وأصيب في اكثر من موضع واحد من جسمه، ولكنه كان مؤمنا بالله وطالبا للشهادة في سبيله، فلم تخر عزيمته ولا ضعف ولا وهن، فظل يحارب ويقاوم، وانجلت المعركة، ونجا شامل بنفسه، ولكنه ما كاد يبعد عن هذا الجحيم، ويسير في شعب من تلك الشعاب بضع خطوات حتى خارت قواه، وضعف جسمه، فلم يستطع مواصلة السير، وقضى ليلته على قمة جبل هناك، تحت رحمة المقادير معرضا لتقلبات الطبيعة القاسية في تلك الأصقاع.
كان الهواء قاسيا قارسا، وكان (شامل) عاري الرأس، مجروح الصدر، ملطخا بالدم جميع أجزاء جسمه، ولكنه لم يك ليشتكي من هذه الحال التي صار إليها أو يتألم، بل انه كان يشكر الله سبحانه ويحمده على لطفه في القضاء!!.
وفي اليوم التالي أتته النجدة، فجاء بعض أعوانه، واركبوه فرسا وساروا به إلى حيث أهله وعياله وأسرته.
وبقى شامل طريح الفراش أسير الجراح ثلاثة اشهر كاملة، لا يبرح بيته، ولا يستطيع الوقوف على قدميه.